به يكون يمينا، وما لا فلا، وهذه الآية حجة على القائلين في خلق الأفعال وأن حملهم إياها على التسبّب عدول عن الظاهر. وليعلم أن في تمكين إبليس من الإغواء ردّ على القائلين بوجوب رعاية الأصلح من المعتزلة، وردّ على زعم من قال إن حكيما أو غيره يحصر قوما في دار ويرسل فيها النار العظيمة والأفاعي القاتلة الكثيرة ولم يرد أدنى أحد منهم فقد خرج عن الفطرة البشرية، فحينئذ الذي تحكم به الفطرة هو أن الله تعالى أراد بالأنظار إضلال بعض الناس، فسبحانه من إله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وقول هذا الزاعم على حد قول قائلهم:
ما حيلة العبد والأقدار جارية ... عليه في كل حال أيها الرائي
ألقاه في اليم مكتوبا وقال له ... إياك إياك أن تبتل بالماء
الذي رد عليه أهل السنة والجماعة بقوله:
إن حفه اللطف لم يمسسه في بلل ... ولم يبال بتكتيف وإلقاء
وإن يكن قدر المولى بغرفته ... فهو الغريق وإن أضحى بصحراء
والسبب الذي حدى بأهل الاعتزال على هذه الأقوال هو عدم اعترافهم بأن للإنسان جزء اختياريا وهو إقدام العاصي على المعصية عن رغبة ورضى، وأن قولهم أن ما يقع منه مقدر عليه، ولكنه فيما يفعله طائعا مختارا لا يعلم أنه مقدر عليه، وأنه إنما يفعله تبعا لتقدير الله، فلو أن إبليس حينما امتنع عن السجود كان امتناعه تبعا لما هو في علم الله وقد علم ذلك وامتنع لما طرده ربه، ولكن امتناعه كان حسدا لآدم، لأنه بالسجود له يصير مفضلا عليه، وأن نفسه الخبيثة تأبى أن يفضل أحد عليه، وكذلك مقترف المعاصي لو أنه إنما يقترفها لعلمه بأن الله قدرها عليه أو أنه إنما فعلها تنفيذا لأمره لا لشيء آخر لما عذبه الله، ولكن إنما يفعل المعصية لمجرد شهوة نفسه الخبيثة، مع علمه أن الله حرّمها عليه، فلذلك يعاقب ويعذب، تدبر. وهذا الملعون غلط غلطة لا تلافي لها، إذ يجب على المحب امتثال أمر المحبوب مهما كان، أعجز الخبيث أن يكون مثل ابن الفارض الصادق في محبته إذ يقول:
لو قال تيها قف على حجر الفضى ... لوقفت ممتثلا ولم أتوقف