وما فيها لذاتها استحسانا لها وقد يلتفت إليها بالنسبة لكفرهم بالله مع كثرة انعامه عليهم، وقد تأول سفيان بن عيينة قوله صلّى الله عليه وسلم من لم يتغنّ بالقرآن فليس منا، أو ليس منا من لم يتغنّ بالقرآن، فقال أي لم يستغن به عن غيره من كل ما في الدنيا، هذا من ضعف سبب النزول المذكور أعلا واحتج بأن السورة كلها مكية، وهذه الحادثة وقعت بالمدينة والحال أن هذه الآية مستثناة منها، وقد نزلت بالمدينة كما أشرنا إليه أول السورة، ويضاهي أول هذه الآية الآية ١٣٢ من سورة طه المارة في ج ١ «وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ» على كفار قومك لتأخرهم عن قبول هداك أو لعدم شكرهم نعم الله، فقد وقع من اتباع الرسل قبلك ما هو مثله وأكثر.
روى البغوي بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا تغبطنّ فاجرا نعمته فإنك لا تدري ما هو لاقيه بعد موته إن له قاتلا لا يموت، قيل عند الله وما هو قال النار. وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال والخلق فلينظر إلى من هو أسفل منه.
ولمسلم أنظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزوروا نعمة الله عليكم، وجل هذا في المال الذي لا يجمع إلا بخمس خصال:
التعب في كسبه، والشغل عن الآخرة في إصلاحه، والخوف من سلبه، واحتمال اسم البخل دون مفارقته، ومقاطعة الإخوان بسببه وهو مفارقه لا محالة، قال تعالى «وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ٨٨» ألن جانبك لهم وأرفق بهم، ولا تعنّفهم على كل شيء، ومن جملته تمنّيهم ذلك وإطماح بصرهم إليه، لأنه من طبع محبي الدنيا «وَقُلْ» لهم يا رسولي «إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ» لكم من عذاب الله «الْمُبِينُ ٨٩» لكم وقوعه إذا لم تؤمنوا بالله إيمانا خالصا، والموضح لكم كل ما تحتاجونه من أمر دينكم ودنياكم «كَما أَنْزَلْنا» أي أنذركم من نزول عذاب عظيم كالعذاب الذي أنزلناه «عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ ٩٠» الذين آمنوا ببعض ما أنزل عليهم وكفروا ببعضه، قال تعالى (فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) الآية ٨٥ من البقرة ومثلها الآية ١٤٩ من النساء في ج ٣، أي أنهم يؤمنون بقسم من القرآن مما يوافق ما عندهم ويكفرون بما يخالفه.