فقيل له في ذلك فقال سجدت لبلاغتها. وكان صلّى الله عليه وسلم يعبد ربه وأصحابه المؤمنين خفية تحاشيا من أذى المشركين، فلما نزلت هذه الآية خرج هو وأصحابه وأعلنوا عبادة الله، ذكره عبد الله بن عبيدة وعبد الله بن مسعود، وكان هذا بعد إسلام عمر رضي الله عنه الكائن في السنة السادسة من البعثة بأربع سنين تقريبا، وما قيل إن هذه الآية منسوخة بآية السيف فليس بشيء، والمعول عليه أنها محكمة لأنها لا تتضمن الإقرار على ما هم عليه أو السكوت بل طلب الإعراض فقط إلى أن يأتي اليوم الذي قدر في أزل الله لقتالهم، وإذا تتبعنا أقوال هكذا بالنسخ نجد أن آية السيف وغيرها نسخت مائتي آية من القرآن العظيم، كما ذكره السيد محمد بن أحمد الجزّي بمقدمة تفسيره، ولكنها أقوال مجرّدة لا يعبأ بها تناقلها أناس عن آخرين دون مستند يطمئن إليه الضمير إذ لم يتكلم أحد في بحث النسخ زمن الرسول ولم يتطرق أحد لتفسير القرآن زمن الخلفاء الأربعة ولذلك وقع ما وقع من مثل هذه الأقوال التي مصدرها قبل وقال، قال تعالى «إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ٩٥» فلا تخف أحدا منهم، ومن كان الله كافيه لا يخشى أحدا، نزلت هذه الآية في خمسة من كفار قريش، وهم المبالغون في إيذاء حضرة الرسول فأهلكهم الله جميعا وكفاه شرهم، وهم الوليد بن المغيرة المخزومي مرّ بنبال فعلقت شظية من النبل بإزاره فمنعه الكبرياء أن يطأطئ رأسه فينزعها، فصارت تضرب ساقه فخدسته فمرض فمات، والعاص بن وائل دخلت في أخمصه شوكة فقال لدغت وانفخت رجله فمات، والأسود ابن عبد المطلب عمي بدعوة الرسول عليه، والأسود بن عبد يغوث أصابه خبال فصار يضرب رأسه بالشجر ووجهه بالشّوك حتى مات، والحارث بن قيس صار يتمخط قيحا ولم يزل حتى مات، وهؤلاء الخمسة الذين تفانوا في الاستهزاء والسخرية، وقد أهلكهم الله في الدنيا هم «الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ٩٦» عاقبة أمرهم الوخيمة، وفيها تهديد عظيم لشؤم حالهم في الآخرة على كفرهم واستهزائهم بأفظع ممّا جوزوا عليه في الدنيا. قال تعالى «وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ ٩٧» من الفحش فيك وفي ربك