للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وغفلة في وقت لا يعلمه إلا الله وسميت القيامة ساعة لأنها تباغت الناس بسرعة بحيث لا يستطيع القائم أن يقعد ولا القاعد أن يقوم «قالُوا» منكروا الساعة «يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا» قصرنا من العمل الصالح «فِيها» في الدنيا وفاتنا كسب هذه الصفقة إذ بعنا ما يستوجب الرضا بالسخط. روى الطبري بسنده عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلّى الله عليه وسلم في قوله يا حسرتنا إلخ قال: يرى أهل النار منازلهم في الجنة فيقولون يا حسرتنا «وَهُمْ» والحال أنهم «يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ» أي أثقال ذنوبهم وهذا الحمل إما معنوي بحيث يتخيّلون جزاءها الثقيل فهم كالحاملين له، وإما أن تتجسم لهم فيحملونها راجع الآية ١٨ من سورة فاطر في ج ١. جاء في الأخبار والآثار: يتبع الميت ثلاث ماله ويفارقه عند خروج روحه، وأهله ويفارقونه عند ما يوارونه بالتراب، وعمله يبقى معه إلى يوم القيامة، فإن كان خيرا أوصله إلى الجنّة وإن كان شرا أدخله النار. ولهذا يقول الله تعالى لأهل الشر «أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ ٣١» بئس الحمل الذي يحملونه لما فيه من الخزي والعار «وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ» باطل وغرور لأن اللعب ترك ما ينفع بما لا ينفع واللهو الميل عن الجد والهزل، وهذا رد لقولهم (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا) إلخ يعني أن حياة الكافرين أمثالكم لعب لا تعقبه منفعة أما حياة المؤمنين فهي تفكير وعبادة فتعقب عليهم منفعتها في الآخرة خيرا ولهذا قال تعالى «وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ» من الدنيا الفانية لأنها باقية «لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ» الله ويؤمنون برسله وكتبه «أَفَلا تَعْقِلُونَ ٣٢» هذا أيها الكفرة فتعلمون أن الدنيا شر الذين يجحدون لقاء الله في الآخرة، قال تعالى «قَدْ نَعْلَمُ» يا حبيبي «إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ» فيك ما لا يليق بحضرتك من التكذيب والسخرية «فَإِنَّهُمْ» بعملهم هذا «لا يُكَذِّبُونَكَ» وإنما يكذبون الذي أرسلك إليهم لأن تكذيبك تكذيب للحضرة الكريمة وانك صادق أمين مبجّل عند ربك «وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ٣٣» وهذا غاية في الظلم لأن تكذيب الله أعظم من كل ظلم وهو نهاية في الضلال. وهذه الآية من أعظم آيات القرآن في التبكيت على الكفرة وفيها تسلية لحضرة الرسول بما يعتريه من الحزن على جحودهم آيات الله وإنكارهم

<<  <  ج: ص:  >  >>