منه من جنس إخراج الفرخ من البيضة والبيضة من الدجاجة، لأن النّامي من النبات في حكم النامي من الحيوان، فسبحان من أخرج من الحب والنوى نباتا وأشجارا صاعدات في الهواء وعروفا وجذورا ضارية هاوية في الأرض، وخلق من نطفة صغيرة حيوانا عظيما، مما يدل على كمال قدرته وعظيم حكمته، وتنبيها للغافل على أن القصد معرفته بصفاته وأفعاله وأنه مبدع الأشياء وخالقها وصانع العجائب وبارئها لا عن مثال سابق، وأنه هو وحده المستحق للعبادة المنزه عن الشريك والمثيل تعالى الله عما يصفه الكفرة «ذلِكُمُ» أيها الناس الفعّال لذلك، الخلاق لكل ما هنالك «اللَّهَ» الذي لا إله غيره «فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ٩٥» وتصرفون الحق إلى الباطل والصدق إلى الكذب، فتعبدون الأوثان وتتركون الملك الديان، وفي هذه الآية دليل على البعث بعد الموت باعتبار ما يشاهدونه من خلقه ليعلمهم فيه أن الذي يخلق هذه الأشياء العظيمة من تلك الأشياء التافهة قادر على بعثهم بعد موتهم، وإنما جاء بهذا الدليل والأدلة الآتية تنبيها على أن المقصود والأصل من كل بحث عقلي أو نقلي هو معرفة الله تعالى ومعرفة صفاته وأفعاله، وهذا الدليل الثاني المبين بقوله «فالِقُ الْإِصْباحِ» بكسر الهمزة جمع صبح بضم الصاد، أي مظهر نورها من سواد الليل وقرأ الحسن بفتح الهمزة جمع صبح بفتح الصاد قال امرؤ القيس:
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي ... بصبح وما الإصباح منك بأمثل
بكسر الهمزة على الأول وقال الآخر:
أفنى رباحا وبني رباح ... تناسخ الأمساء والأصباح
على الثاني والأول أولى لأنه أكثر استعمالا «وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً» لخلقه وراحة لهم من كدّ المعيشة إلى النوم «وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ» جعلهما «حُسْباناً» معينا لا ينخرم على مر العصور «ذلِكَ» العلم بالحساب الحاصل من سيرها «تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ» الغالب عليهما الذي سخرهما قهرا «الْعَلِيمِ ٩٦» بما يؤول إليه أمرهما وما ينشأ عنه من منافع للعباد والدليل الثالث قوله عز قوله «وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها» إلى الطرق التي تقصدونها «فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ» فإذا ضللتم الجهة المطلوبة وتحيرتم ونظرتم إليها عرفتم القبلة من الشمال