يرقب أعمال عباده كلها فيرى ويسمع ما يقع منهم لا يفوته شيء لأن المرصاد المكان الذي يترقب فيه الرصد ومن كان عالما بأحوال خلقه لا يفوته شيء من أمرهم، وهذا جواب القسم، والجمل ما بين القسم وجوابه اعتراضية، وقيل جواب القسم محذوف وتقديره ليعذبن الكافر وربّ هذه الأشياء ويجزي كلا بفعله إن خيرا فخير وإن شرا فشر قال. ابن عطية المرصاد صيغة مبالغة كالمطعام والمطعان، ورده ابو حيان بأنه لو كان كما زعم لما دخلت الباء لإنها ليست في مكان دخولها لا زائدة ولا غير زائدة، ثم شرع يفصل أحوال خلقه فقال «فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ» أختبره وامتحنه «رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ» بالمال والولد والعافية والجاه «وَنَعَّمَهُ» بما وسع عليه من النساء والقصور والبساتين وغيرها من خدم وحشم «فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ١٥» بما أعطاني وفضلني بما اولاني «وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ» ما هذه هنا وفي الآية الأولى وما شابهها في غير القرآن يعدونها زائدة اما في القرآن فتسمى صلة يؤتى بها لتأكيد القول وتحسينه لأن كلام الله مبرأ عن الزيادة كما هو منزه عن النقص وسيأتي لهذا بحث في الآية ١٣٥ من سورة التوبة في ج ٣ «فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ» ضيقه وقلله عن مقدار بلغته وكفايته «فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ ١٦» بما افقرني واذلني بما أعوزني. وهذه الآية عامة لتصدرها بلفظ الإنسان فتشمل كل فرد وما قيل انها نزلت في امية بن خلف الحمجي خاصة فعلى فرض صحته لا ينفي عمومها لان العبرة دائما لعموم اللفظ لا لخصوص المعنى أو السبب، لذلك ردّ الله تعالى على من ظن ان سعة الرزق إكرام وضيقه اهانة بقوله «كلّا» اي ليس الأمر كذلك فلا يظن به إذ ليس كل من اعنيته لكرامته ولا كل من أفقرته لاهانته لان الغنى والفقر بحكمتي وتقديري وإنما أكرم المؤمن بطاعته لي وأهين الكافر بمعصيته واني أنعم على عبدي لا ختبره أيشكر نعمتي أم يكفر وأضيق عليه لأمتحنه أيصبر أم يفجر. وليعلم الناس ذلك راجع تفسير الآية ٢٦ من سورة الأنبياء في ج ٢، ولئلا يقولوا كما قال قارون (إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي) الآية ٧٦ من سورة القصص الآتية مع أنه أوتيه من غير استحقاق