كما استمتع الجن بدلالتنا على الشهوات المنهي عنها وأوصلونا إليها استمتعنا بطاعتهم وإغوائهم بحيث صار بينهم القبيح والخبيث متقابلا «وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا» في الدنيا وحضرنا يوم الجزاء الذي وعدتنا به وهذا اعتراف بما كان منهم
في الدنيا من طاعة الشيطان واتباع الهوى والتكذيب بالبعث والقضاء زمن الاستمتاع وإبداء زمن الحسرة والندم على مافات، فأجابهم الله بقوله «قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ» مأواكم ومنزلكم ومقركم «خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ» من مقدار مبعثهم من قبورهم ومدة حشرهم وزمن حسابهم ووقوفهم إلى وقت دخولهم النار لأن الاستثناء من يوم القيامة المعنى بقوله تعالى ويوم نحشرهم أي منذ يبعثون ولا وجه لقول من قال إلا أوقات نقلهم من النار إلى الزمهرير وبالعكس، أو كلما يستغيثون من عذاب فينقلون لغيره، لأن هذا كله عذاب واختلاف تنوعه يكون فيما بعد يوم القيامة لا فيه، وقال ابن عباس المستثنيون قوم سبق في علم الله أنهم مؤمنون وتقدم بحثهم مستوفيا في الآيتين ١٠٧- ١٠٨ من من سورة هود المارة، والقول الحق أنه لا ينبغي لأحد أن يحكم على الله تعالى في خلقه أن لا ينزلهم جنة أو نارا لأنه الفعال لما يريد «إِنَّ رَبَّكَ» يا سيد الرسل «حَكِيمٌ» فيما يفعل بأوليائه وأعدائه «عَلِيمٌ ١٢٨» بما يصيرون إليه قبل أن يلقوه «وَكَذلِكَ» مثل ما أنزلنا العذاب بالجن والإنس الذين انتفعوا وتمتعوا ببعضهم في الدنيا في عصياننا وتكذيب رسلنا وإنكار ما جاءوهم به من عندنا «نُوَلِّي» في الآخرة «بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً» في النار ليذوقوا العذاب فيها سوية مثل ما ذاقوا المعاصي في الدنيا «بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ١٢٩» من الآثام وكما جعلنا المؤمنين بعضهم أولياء بعض في الدنيا، فبعضهم كذلك أولياء بعض في الآخرة، كذلك الكفرة بعضهم أولياء بعض في الدنيا وفي الآخرة يتبع بعضهم بعضا ونقول لهم على جهة التوبيخ والتقريع امَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ»
الذين ضللتم وأضللتم في الدنياَ لَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ»
من جنسكم ليعود الضمير إلى الأخير وهم الإنس لأن الجن لم يرسل لهم رسولا منهم ما عدا الذين سمعوا القرآن من حضرة الرسول وأنذروا به قومهم فهم رسل محمد صلّى الله عليه وسلم إليهم مثل الحواريين الذين أرسلهم عيسى