وهذا التكذيب ليس هو في قولهم (لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا) لأنه قول حق وصدق إذ لا يقع شيء إلا بإرادته ومشيئته بل هو في قولهم (وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها) ورضي ما نحن عليه كما أخبر عنهم في سورة الأعراف الآية ٢٨ في ج ١، فردّ الله عليهم بقوله (إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) ثم جهلهم وأنّبهم إذ ختم الآية بقوله (أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ) والدليل على التكذيب هو في قولهم (وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها) ورضيه منا لا في قولهم (لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا) ولهذا صار قوله تعالى (كَذلِكَ كَذَّبَ) بتشديد الفعل ولو كان إخبارا عنهم بالكذب في قوله (لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا) لقال كذب بالتخفيف بأن ينسبهم إلى الكذب لا إلى التكذيب ولو أنهم قالوا هذه المقالة تعظيما لله وإجلالا لحضرته ومعرفة بحقه وبما يقولون لما عاب الله عليهم قولهم ذلك، ولكنهم قالوها تكذيبا وجدلا من غير معرفة بالله وبما يقولون، وعليه فلا دلالة إذا في هذه الآية الكريمة لمذهب القدرية والمعتزلة، ولا يتجه تأويلهم إياها على رأيهم بخلاف ما هي عليه من قولهم إنّ الكفار لما قالوا (لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا) كذبهم الله ورد عليهم بقوله (كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) كما مر تفصيله، وأيضا فإن الله تعالى حكى عن هؤلاء القوم مذهب الجبرية القائلين لو شاء الله منا أن لا نشرك لم نشرك ولمنعنا من الشرك، وإذ لم يمنعنا عنه ثبت أنه مريد له وإذ أراده منا امتنع تركه لنا إذ لا يقع في ملكه إلا ما يريد، والجواب عن زعمهم هذا ما قدمناه في الآية ٩٨ من سورة يونس، والآية ١١٨ من سورة هود المارتين لأن أمر الله تعالى بمعزل عن مشيئته وإرادته لأنه مريد لجميع الكائنات غير آمر بجميع ما يريده، فعلى العبد أن يتبع أمره الذي أمر به على لسان رسله وليس له أن يتعلق بمشيئته التي لا يعلمها، فإن مشيئته لا تكون عذرا لأحد عليه في فعله، فهو جل شأنه يشاء الكفر من الكافر ولا يرضى به ولا يأمر به، قال تعالى (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) الآية ٧ من سورة الزمر الآتية، ومع هذا فإنه يبعث الرسل إلى عباده يأمرهم بالإيمان مع إرادته الكفر منهم، وإنك أيها الإنسان قد تأمر عبدك أحيانا بشيء لا تريده