وقالوا إن سيده قال له اعطني أطيب مضغتين من الشاة فأعطاه القلب واللسان، ثم قال له أعطني أخبثهما فأعطاهما إياه أيضا، فسأله عن ذلك، فقال لا شيء أطيب منهما إذا طابا ولا أخبث منهما إذا خبثا. ومن حكمه ليس مال كصحة، ولا نعيم كطيب النفس، وشر الناس الذي لا يبالي أن يراه الناس مسيئا. وقوله لابنه إن الدنيا بحر عميق غرق فيه كثيرون فاجعل سفينتك فيها تقوى الله وحشوها الإيمان وشراعها التوكل على الله، لعلك تنجو ولا أراك ناجيا. أي لأن النجاة بيد الله يهبها لمن يشاء من عباده ممن يوفقه للعمل الصالح. ولهذا قرن العمل الصالح مع الإيمان في أكثر آي القرآن حتى كأن الإيمان بلا عمل لا ينفع كالعمل بلا إيمان.
وقدمنا أن الإيمان وحده كاف للنجاة إذا شاء الله له الخلق والأمر. ومن حكمه قوله: من كان له من نفسه واعظ كان الله له حافظا، ومن أنصف الناس من نفسه زاده الله عزا، والذل في طاعة الله أقرب من التعزز في المعصية، وضرب الوالد لولده كالسماد للزرع. وقال يوما لابنه لا تطلب الإمارة حتى تطلبك فإن طلبتك أعنت عليها وإذا طلبتها وكلت إليها، يا بني زاحم العلماء بركبتيك وانصت لهم بأذنيك، فإن القلب يحيا بنور العلم كما تحيا الأرض بماء السماء، يا بني لا تضحك من غير سبب ولا تمش من غير أرب، ولا تسأل عما لا يعنيك، يا بني لا تضيع مالك وتصلح مال غيرك فإن مالك ما قدمت ومال غيرك ما تركت. وله حكم أخرى كثيرة أفاضها الله عليه من نور معرفته ولهذا أعطاه الحكمة ومن يعطها فقد أعطي خيرا كثيرا. وكررت كلمة الحكمة بالقرآن سبع عشرة مرة في معان بالغة تكرمة لمن أوتيها فيا فوز من كانت الحكمة رائده في كل أحواله، ويا سعادة من عامل الناس بها بأقواله وأفعاله. قال تعالى لعبده لقمان «أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ» صنيعه بك ولطفه عليك، وإن هنا مفسرة بمعنى أي لأن في إتيان الحكمة معنى القبول ولهذا فسرت بالشكر فإذا علم الإنسان أمرين أحدهما أهم من الآخر فإذا اشتغل بالأهم كان عمله موافقا لعلمه وإن أهمل الأهم كان مخالفا للعلم ولم يكن من الحكمة، وقد أمره ربه بشكر نعمه وبين فائدتها بقوله «وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ» إذ يعود نفعه إليها بازدياد النعم ورضاء المنعم «وَمَنْ كَفَرَ»