للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مطلب هدايته صلى الله عليه وسلم ومعاملته اليتيم:

ولا يقال انه صلى الله عليه وسلم كان على ملة قومه استفادة من معنى «ضالا» فهداه للاسلام لأن سائر الأنبياء منذ يولدون ينشأون على التوحيد والأيمان وأنهم قبل النبوة وبعدها معصومون من الجهل بعصمة الله، يدل على هذا أنه لما سافر مع عمه أبي طالب ورأى بحيرا الراهب فيه علامة النبوة فاستحلفه باللات والعزى فقال صلى الله عليه وسلم: لا تسألني بهما فو الله ما أبغضت شيئا كبغضهما ويؤكد هذا شرح صدره واستخراج العلقة منه وقول جبريل هذا حظ الشيطان منك وملأه حكمة وإيمانا. وقوله جل قوله (ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى) الآية ٢ من سورة النجم الآتية قال الزمخشري في كشافه: من قال انه كان على دين قومه أربعين سنة، فإن أراد أنه على خلوه من العلوم السمعية فنعم، وإن أراد أنه على دين قومه، فمعاذ الله، أما ما قيل انه ضل في شعاب مكة وردّه فرعونه أبو جهل، وأنه أركبه وراءه فلم تقم الناقة فأركبه امامه فقامت وقالت يا أحمق هذا الإمام، فكيف يكون خلف المقتدي؟ فكان ارجاعه الى جده على ما يدعوه كإرجاع موسى لأمه، أو أنه ضل في طريق الشام واقتاد ناقته إبليس فنفحه جبريل ورد ناقته الى طريقها، أو أنه ضل مرة أخرى في مكة فتعلق جده بأستار الكعبة وصار يتضرع الى الله بردّه فسمع مناديا لا تضجوا فان محمدا لا يضيعه الله ربه وأنه بوادي تهامة. فذهب إليه جده وورقة بن نوفل، فأتيا به من تحت شجرة يلعب عندها، أو أنه ضل عند مرضعته حليمة فهذا كله على فرض وقوعه حقيقة غير مقصود هنا لأنه من ضل الطريق إذا سلك غيره على أن إضلاله الطريق قد يؤدي الى المقصود المقدر من علم الله مثل إضلال سيدنا موسى الآتي في الآية ٣٠ من سورة القصص الآتية قال ابن الفارض:

ما بين ضال المنحني وظلاله ... ضل المتيّم واهتدى بضلاله

ولكن نفس الأضلال لا يستوجب أن يعده الله عليه نعمة بالصورة المذكورة لأنه يقع لكل واحد، وانما القصد والله أعلم هو ما ذكرناه في تفسير الآية لإن الهداية منه نعمة كبرى لا تحصل لبشر غيره ولن تحصل أبدا «وَوَجَدَكَ عائِلًا»

<<  <  ج: ص:  >  >>