لأن الله تعالى قد يحدث في الجو ما يسلب منه تلك الرطوبة التي دلت عليها الإبرة من تأثير الرياح أو غيرها فلا ينزل المطر لذلك فلا تتعارض هذه الإبرة وغيب الله تعالى، لإنه مما اختص به فالبشر مهما بلغ من العلوم والمعارف عاجز أن يعلم شيئا من الغيب المبين في هذه الآية. وبمناسبة هذا كان أخبرني ذات يوم السيد جميل بك السلاحوار من أهالي حلب بأن أذهب إلى الدار لأنه ستصير اليوم عواصف قوية، فقلت له من أين عرفت هذا؟ قال من الإبرة الموجودة لدي فقلت له لا يكون شيء إن شاء الله، فقال لا بد من كونه، ثم تفرقنا ولم يقع شيء طيلة اليوم والليلة، فصادفته في اليوم الثاني وقلت له أين ما أخبرتني به من العواصف البارحة، فقال يا أخي إنه أمر محقق ولكن حدث في الجو تبدل حال دون وجودها والله على كل شيء قدير، فقلت له من الآن فصاعد لا تجزم بشيء من هذا فإن الله تعالى يغير الأحوال، فقال آمنت بالله وصدقت. وإن ما يعدّه أهل هذا العصر من العلوم المحدثة بزعمهم قد تكون قديمة لأنهم لم يطلعوا على كل ما اطلع عليه الأوائل من العلوم فمن ينظر إلى فنّ الهندسة وصنع الأبنية القديمة والأصباغ والنقوش والتصوير والتصبير يعلم أن الأواخر لم يبلغوا بعد ما بلغه الأوائل لأنهم حتى الآن عن معرفته عاجزون وهناك تحنيط الأموات لم يقفوا على أجزاء تركيبه ومرض السرطان لم يقفوا على توقيفه مما يدل على أن جل الأشياء قديمة والناس يتأسون بآثارهم ويقتفون مآثرهم فما عثروا عليه برعوا. به وما لم يعثروا عليه فسيعثرون عليه بعد لأن الدنيا لم تكمل بعد راجع الآية ٢٤ من سورة يونس المارة «وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً» من خير أو شر «وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ» في سهل أو جبل في قرية أو بادية في بحر أو نهر ولا تدري بأي أرض تدفن ولا كيفية موتها هل بحرق أو تردي أو غرق أو افتراس أو غير ذلك، وهذان الأمران وأمر الساعة لم يتطرق إليها بحث ما بوسائل معرفتها من أهل العلوم العصرية البتة ولما يتطرق والله أعلم. لأن نهاية عقول العالمين فيها عضال وغاية سعي الساعين فيها ضلال ولهذا فإن كل ما بذله ويبذله البشر لمعرفة هذه الأمور الخمسة على الحقيقة غايته العجز لأن ما اختص الله به لنفسه لم يطلع عليه عباده،