لأنه ثابت في علم الله أنه مهتد ولا مبدل لما في علمه «أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ» غالب لا يغالب منيع لا يمانع ولا ينازع «ذِي انْتِقامٍ ٣٧» من أعدائه ينتصف منهم لأوليائه، وهذا الاستفهام مثل الاستفهام السابق أي بلى هو كذلك، قال تعالى «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ» يا سيد الرسل أي هؤلاء الذين يخوفونك بأوثانهم وقلت لهم «مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ» لظهور الأدلة على ذلك ووضوح البراهين لما تقرر عقلا وجوب انتهاء جميع الممكنات إلى واجب الوجود فإذا أجابوك ولا شك أنهم مجيبون بأن الذي خلقهن هو الله وإلا فأجبهم أنت بأنه هو الذي خلقهن وما فيهن فإنهم لا يعارضونك في ذلك «قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ» من هذه الأوثان «إِنْ أَرادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ» فيسكتون خشية الكذب لأنه معيب في كل زمان عند كل ملة حتى ان قوم يونس عليه السلام كانوا يقتلون الكذاب، راجع الآية ٩٧ من سورته المارة، ثم قل لهم أيضا «أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ» فيسكتون أيضا لعلمهم أنها لا تكشف ضراء ولا تمسك رحمة ولا تفعل شيئا أبدا «قُلْ» بعد اعترافهم هذا لعجز آلهتهم عن فعل شيء من ذلك بدليل سكوتهم الذي هو بمثابة الإقرار «حَسْبِيَ اللَّهُ» هو كافيني منهم ومن أوثانكم وبالنصر والظفر عليكم
كما وعدني به، عليه وحده توكلت و «عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ ٣٨» لا على غيره فقد خاب وخسر من توكل على غيره، ثم أشار إلى تهديدهم فقال «قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ» حالتكم التي تتمكنون عليها من عدواني وتكذبي والمكانة بمعنى المكان واستعيرت عن العين للمعنى كما استعير هنا وحيث للزمان مع أنها للمكان «إِنِّي عامِلٌ» على مكانتي أيضا حذف من الثاني بدلالة الأول كما يحذف أحيانا من الأول بدلالة الثاني راجع الآية ٣٣ من سورة لقمان المارة وان عمله صلّى الله عليه وسلم هو دأبه على نصحهم وإرشادهم ليس إلا «فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ٣٩» غدا إذا لم تؤمنوا وتصدقوا «مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ» في الدنيا «وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ ٤٠» في الآخرة لا يتحول عنه أبدا أنا أم أنتم وقد ختم هذه الآية بالوعيد الشديد كما بدأها بالتهديد بما خبىء لهم من العذاب الأليم وهي قريبة في المعنى من الآيتين ٥٤/ ٥٥ من سورة سبأ المارة وفيها ما فيها فراجعها.