وعلت بكمال القدرة ثم نعتها بكمال العلم فقال «عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ» السر والعلانية «أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ» المؤمنين والكافرين «فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ٤٦» من أمر دينك وتوحيدك. يفيد هذا الأمر الإلهي العظيم جنوح حضرة الرسول إلى الدعاء والالتجاء إليه تعالى مما قاساه من نصب قومه في دعوتهم له وما ناله من شدة شكيمتهم في المكابرة والعناد وبيان حالهم في الدنيا وما يؤول إليه في الآخرة، وفيه تسلية له ومعلومية جهده وجده وبذل وسعه وسعيه عند ربه وتعليم لعباده كلهم بالالتجاء إليه فيما يهمهم وما لا يهمهم، ودعاؤه بأسمائه الحسنى، لأن أسماءه تعالى توقيفية، فلا يجوز تسميته بغيرها راجع الآية ٨ من سورة طه في ج ١ تجد ما سمى الله به نفسه ورسوله منها. سئل الربيع بن خيثم عن قتل الحسين رضي الله عنه فتأوه وتلا هذه الآية، وعليه فإذا ذكر لك أيها القارئ شيء مما جرى بين الأصحاب رضوان الله عليهم، فاقرأ هذه الآية فإنها من الآداب التي ينبغي أن تحفظ. روى مسلم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: سألت عائشة رضي الله عنها بأي شيء كان نبي الله صلّى الله عليه وسلم يفتتح صلاته إذا قام الليل؟ قالت:
كان إذا قام الليل افتتح صلاته قال: اللهم رب جبريل وميكائيل واسرافيل عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم. قال تعالى «وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً» من منقول وغيره «وَمِثْلَهُ مَعَهُ» وطلب منهم به فداء أنفسهم من عذاب الله «لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ» وهذا من ضرب المحال حيث لا يقبل الفداء، ويستحيل أن يكون لهم شيء من الأرض باستحالة وجود مثله لأن أحدا يوم القيامة لا يملك مثقال ذرة وإنما هذا من قبيل زيادة التحسر والتأسف والندم والأسى لما يشاهدونه من الأهوال المحيطة بهم المشار إليها بقوله الفصل «وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ» العالم بخفايا الأمور أشياء «ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ٤٧» بها ولا يظنونها ولا تخطر ببالهم أنه نازل بهم ولا يتوقعونه لأنه فوق التخمين والحسبان وحديث النفس. ونظير هذه الآية التي أوعد بها الكافرون ما وعد الله به المؤمنين هي قوله تعالى (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ