هو قائم، فقال ما حملك على ما صنعت؟ قال خشيتك يا رب، أو قال مخافتك يا رب، فغفر له بذلك. ولعل المجوس وبعض الهنود ومن نحا نحوهم الذين يحرقون موتاهم أخذوا ذلك من هذه القصة، لأن هذا الرجل الذي ذكره حضرة الرسول لم يكن من أهل زمانه بل ممن تقدم من الأمم، وقد بقوا على عادتهم تلك ولم تبلغهم الدعوة، أو بلغتهم فلم يتبعوها وبقوا على ما هم عليه حتى الآن، وقد استحسنها من لا خلاق لهم من الدين بحجة أنها أقطع لجراثيم الموتى من أن تنتقل ذراتهم إلى الأحياء، ولم يعلم أن في هذه إهانة للمؤمن، وقال صلّى الله عليه وسلم: كرامة الميت دفنه، وفي القبور مانع من انتشار الذرّات لأنها تحت الأرض بقامة وبسطة يد، وكيف يركن قلب المؤمن إلى حرق ميته وهو أعز الناس عليه، وفي دفنه ذكرى له على مر الأيام بالخير إن كان من أهل الخير فيعملون بعمله، وإن كان من أهل الشر فيجتنبون عمله، فيكون خيرا نشا عن شر. وعنه أيضا قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول كان في بني إسرائيل رجلان متحابان أحدهما مذنب والآخر مجتهد في العبادة فكان المجتهد لا يزال يرى الآخر على ذنبه فيقول له اقتصر، فوجده يوما على ذنب، فقال اقتصر فقال خلّني وربي أبعثت علي رقيبا، فقال والله لا يغفر لك الله، أو قال لا يدخلك الجنة، فقبض الله روحهما فاجتمعا عند رب العالمين فقال الرب تبارك وتعالى للمجتهد أكنت على ما في يدي قادر؟ وقال للمذنب اذهب فادخل الجنة، وقال للآخر اذهبوا به إلى النار. قال أبو هريرة تكلم والله بكلمة أوبقت دنياه وآخرته- أخرجه أبو داود. وقال زيد بن أسلم: يؤتى بالرجل يوم القيامة فيقال انطلقوا به إلى النّار، فيقول يا رب فأين صلاتي وصيامي، فيقول الله اليوم أقنطك من رحمتي كما كنت تقنط عبادي من رحمتي. وعنه أيضا أن رجلا كان في الأمم الماضية يجتهد في العبادة ويشدد على نفسه ويقنط الناس من رحمة الله ثم مات فقال أي رب مالي عندك؟ قال النار، قال يا رب فأين عبادتي واجتهادي؟
فقيل له إنك كنت تقنط الناس من رحمتي في الدنيا، فأنا اليوم أقنطك من رحمتي.
وقال مقاتل: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: الفقيه من لم يقنط الناس من رحمة الله ولم يرخص لهم في معاصي الله عز وجل. وعليه فلا ينبغي للواعظ والخطيب