وإذا أريد بهم الحفظة أو الموكلون بأعمال الخلق الكاتبون لحسناتهم وسيئاتهم فيكون إحضارهم ليتلى عليهم ما دوّنوه ليسألوا عنه بحضور المكتوب عنهم ليتبين لهم هل ظلموهم بشيء من ذلك أم لا، وإذا أريد بهم الرجال العدول الأبرار من كل أمة فيكون حضورهم لسؤالهم هل أن الرسل بلغوا أممهم رسالة ربهم أم لا، لأن من الناس من يجحد مجيء الرسل، وإذا أريد بهم أمة محمد يكون المراد من حضورهم أن يشهدوا على الأمم السالفة بأن رسلهم بلغوهم أوامر الله ونواهيه عند ما يقولون ما جاءنا من بشير ولا نذير، فيقال لهم من أين علمتم أنهم بلغوهم وأنتم بعدهم ولم تجتمعوا معهم؟ فيقولون من كتاب أنزله الله علينا ذكر فيه أن الرسل بلغوا أممهم وهو حق وصدق، ومن أقوال رسولنا محمد الذي أخبرت يا ربنا أنه لم ينطق عن هوى، وان قوله وحي منك يوحى إليه، وقد علمنا أنه حق وأن رسالته صدق، ومما يدل على أن هذه الأمة تشهد يوم القيامة على الأمم التي قبلها قوله تعالى:
(وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) الآية ١٤٣ من البقرة في ج ٣، ومثلها الآية الأخيرة من سورة الحج في ج ٣ أيضا «وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ» لكل ما يستحقه بموجب عمله «وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ٦٩» شيئا فلا يزاد على سيئات المسيء، ولا ينقص من حسنات المحسن وينال كل جزاء ما عمله إذا عاملهم بعدله، أما إذا عاملهم بفضله الواسع الذي يدخل فيه من يشاء جنته عمل أو لم يعمل فهو أهل لذلك فقد يعفو عن المسيء ويضاعف للمحسن أضعافا كثيرة وهو جل عطفه لا يسأل عما يفعل «وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ» جزاء «ما عَمِلَتْ» في دنياها من خير أو شر «وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ ٧٠» قبل محاسبتهم وقبل الإطلاع على كتبهم والاستشهاد عليهم إذ ليس هو بحاجة إلى كتاب أو شاهد، ولكن ليعترفوا أنفسهم بما وقع منهم، وليعلموا أن الله ما ترك لهم مثقال ذرة مما عملوه، وأنه قضى عليهم ولهم بما يستوجبونه، لأن الحاكم إذا أفهم المحكوم عليه جرمه وأسبابه وأدلته التي أدانته به ووجه ثبوته عليه بالبراهين التي لا تقبل التأويل والحجج القاطعة لرد دفاعه يوقع الحق على نفسه ويلومها ويبرأ الحاكم من الحيف والجور والخصومة، ولا يوقر بقلبه غلا عليه،