طريق التحكيم من باب أولى وخاصة ما يتعلق بأمر الإمامة. قال تعالى «هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ» الدالة على قدرته في كل شيء من مكوناته:
وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه واحد
قالا أو حالا «وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً» ماء هو نفسه رزق، وفي الآية ٥ من سورة الجاثية الآتية (مِنْ رِزْقٍ) لأنه أفضل الأرزاق وأحوجها للبشر، ويتسبب عن نزوله جميع الأرزاق لجميع الحيوانات على اختلاف أجناسها وأنواعها وفصائلها شرابا وقوتا وفاكهة غطاء ووطاء ولباسا «وَما يَتَذَكَّرُ» في هذا الرزق الذي فيه حياة كل نام وبقاء كل جامد «إِلَّا مَنْ يُنِيبُ ١٣» إلى خالقه في جميع أموره، فالخاشع الخاضع هو الذي يتذكر في تلك الآيات الباهرات المبرهنة على وجود الخالق وصدق ما جاء به رسله، ولذلك «فَادْعُوا اللَّهَ» أيها الناس حالة كونكم «مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ» من كل شك وريبة وشبهة ومرية «وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ ١٤» إنابتكم وإخلاصكم فلا تلتفتوا إليهم، وألجئوا إلى ربكم ذلك الإله العظيم «رَفِيعُ الدَّرَجاتِ» المعارج المعظمة في غيوبه وفي صفات جماله وجلاله وكماله وهي مصاعد الملائكة إلى عرشه العظيم حين يعرضون إليه عليها وهو كناية في علو عزّته وشامخ ملكوته ورفعة شأنه وارتفاع سلطانه وسامي برهانه، ورفيع وما بعده اخبار لقوله تعالى (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ) إلخ أو كل منها خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو رفيع، وكلمة رفيع لم تكرر في القرآن «ذُو الْعَرْشِ» المجيد الذي وسع كرسيه السموات والأرض وهو الذي «يُلْقِي الرُّوحَ» التي هي «مِنْ أَمْرِهِ» ولم يعلم أحد ماهيتها، أو الوحي المعبر عنه بالروح لما فيه من حياة الأرواح «عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ» الذين اصطفاهم لطاعته واجتباهم لرسالته، وقال بعضهم إن الروح هنا جبريل عليه السلام (فتكون جملة من أمره) سببية، أي يلقى الروح من أجل تبليغ أمره، ولا يخفى أن الروح يطلق على معان كثيرة الروح المعلوم والقرآن وجبريل والوحي، وكلها ينعم الله بها على عبادة المهتدين في تفهيم الإيمان والمعقولات الشريفة، والكل جائز هنا، والأولى أن يكون بمعنى الوحي لمناسبته لما بعده، والله أعلم. وقد أسهبنا البحث في الآية ٨٦ من سورة