للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تلبس بالجزم طلبا للكف عما أشار به فرعون، وأملا بإيمان قومه، فبادرهم بأمر الآخرة بعد أن لم ينجح معهم التهديد بأمور الدنيا، فقال «وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ ٣٢» يوم القيامة سمي بذلك، لأن الناس تتنادى فيه كما حكاه الله تعالى في الآية ٤٧ من سورة الأعراف ج ١، وينادى فيه سعد فلان وشقي فلان، وينادى بخلود أهل النار وخلود أهل الجنة، ويقول المؤمن (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) ويقول الكافر (يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ، وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ) كما سيأتي في سورة الحاقة الآتية ذلك اليوم الذي يتبرأ فيه الناس من آبائهم وأمهاتهم «يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ» عن موقف الحساب متجهين إلى موقع العذاب «ما لَكُمْ» في ذلك اليوم المهول الذي يبرأ فيه الوالدان من أولادهم «مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ» يقيكم من عذابه، لهذا فإني أقول لكم يا قوم إن أصررتم على قتله ضللتم «وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ ٣٣» يهديه البتة، وهذا تخويف لهم بالعذاب الأخروي الدائم بعد أن حذرهم العذاب الدنيوي الفاني، وبعد أن أيس من إيمانهم وقبولهم نصحه بالكف عنه، ورأى الوزراء والحاشية غير مبالين بذلك، لأن ملكهم يريد قتله لمصلحتهم ولم يروا أنهم يخالفونه بعد أن بث لهم نصحه من أنه لا يريد لنفسه إلا ما يريده لهم من الخير لأنهم رأوا أنفسهم مخطئين قبلا حين استشارهم بقتله أول أمره، وقالوا (أَرْجِهْ وَأَخاهُ) أما الآن وقد استفحل أمره وتبعه بعض قومه فلم يقدروا أن يصرحوا له بعدم قتله خوفا من أن يجابهم باللوم والتعنيف على ما سبق منهم وأنهم السبب في إبقائه لاتباعه رأيهم، وخافوا أن يفاجئهم فيبين لهم سوء رأيهم وخطأ تدبيرهم، ولربما أن يستفحل أمره أكثر من ذي قبل فيعجزون عن مقابلته ويصيرون سببا لضياع الملك، إلا أنهم لم يقدروا على مجابهة المؤمن بما داهمهم به من التهديد بسوء العاقبة لأنه لا يقابل بباطل فجنحوا عنه وأطرقوا والتزموا السكوت، فقوي جنان المؤمن وطفق يونجهم على ما وقع من آبائهم الأولين من تكذيب الرسل، فقال «وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ» بن يعقوب ابن إبراهيم «مِنْ قَبْلُ» مجيء موسى بن عمران هذا المتصل نسبه به «بِالْبَيِّناتِ» الواضحات كتعبير الرؤيا والإخبار بالغيب، وحفظ أهل مصر من الهلاك بالقحط بما

<<  <  ج: ص:  >  >>