من سائر المحرمات «هُمْ أَصْحابُ النَّارِ ٤٣» لا غيرهم لأن كل متجاوز حدود الله بالقتل والكفر والشرك والفواحش ومات مصرا عليها فهو من أهل النار، كما جاءت به الآيات والآثار. ولا يقال هنا إن الله لا يحدد عليه، فله أن يعفو عن أمثال هؤلاء ويدخلهم الجنة، وله أن يدخل من أهل الجنة النار لأنه جل ذكره لا يسأل عما يفعل، ثم ضربهم بآخر سهم من كنانته فقال «فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ» الآن يا قوم غدا إذا لم تؤمنوا بربي وتسمعوا رشدي عند معاينتكم العذاب في الآخرة، وتندمون ولات حين مندم ولا ذكرى أقول لكم قولي هذا «وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ» وحده، فإذا أردتم أن توقعوا بي شرا بعد نصحي إليكم فهو لا بد منقذي منكم، ولهذا فلست بسائل عن وعيدكم وتهديدكم، فافعلوا ما شئتم، وذلك لما أطال عليهم وجاهرهم بإيمانه هددوه بالقتل أيضا إن لم يقلع عما يقوله لهم فأجابهم بأنه قد أدى ما هو واجب عليه وأنه لا يبالي بهم لأنه معتمد على الله، ولهذا ختم مجادلته بقوله «إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ ٤٤» يعلم المحق من المبطل وما يؤول إليه أمري وأمركم فهموا به ليأخذوه فهرب من بين أيديهم وأعماهم الله عنه فطلبوه فلم يجدوه وذلك قوله تعالى «فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا» فحال دون وصولهم إليه وحفظه من مكرهم وأذاهم «وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ ٤٥» وذلك بعد أن هرب موسى بني إسرائيل ولحق بهم فرعون وجيشه حتى وصلوا إلى البحر وتراءوا وكان ما كان كما بيناه في الآية ٥٣ من سورة الشعراء في ج ١ فراجعه، فكان عذابهم الدنيوي بالغرق، ولعذاب الآخرة أشد كما سيتلى عليك بعد هذا، ومن قال إن هذا المؤمن هو موسى قول لا قيمة له فهو أوهى من بيت العنكبوت، وكأن هذا القائل استكثر على هذا المؤمن أن يقع منه مثل هذا ولم يدر أن نظرة من بحر جوده تقلب المريض صحيحا، والأبكم فصيحا، والمجرم بريئا، والكافر وليا، والفاجر بارا، والرجس طاهرا، قال تعالى معرضا بعذاب آل فرعون الأخروي بعد أن ذكر عذابهم الدنيوي في الآية ١٣٠ من سورة الأعراف المارة في ج ١ بقوله عز قوله «النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا»