أيضا، إذ لا سبيل للرضاء حتى يكونوا من المسترضين ولا محل له «وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ» هيأنا لهم أخدانا من نظرائهم الشياطين (فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ» من زخارف الدنيا المحيطة بهم «وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ» الصادر ممّا بالعذاب «فِي» جملته «أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ» ٢٥ دنياهم وآخرتهم كغيرهم من الأمم الظالمة «وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا» من أهل مكة «لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ» الذي يتلوه عليكم محمد «وَالْغَوْا فِيهِ» قولوا عند قراءته قولا لا رقوع له كي يتشوش القارئ ويلتبس على السامع «لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ» ٢٦ في لغوكم على تلاوة محمد، فلا تتركون مجالا للسامع أن يفهمه كما هو، وذلك أن المشركين علموا عذوبة ألفاظ القرآن وكمال معانيه وجزالة جمله، وعرفوا أن من أحبط به علما وعقله مال إليه، فخافوا على أنفسهم وغيرهم من الانخراط في الدين المنزل عليه وقبول ما جاءهم به، فلذلك صار بعضهم يوحي إلى بعض بأن كل من يسمع محمدا يقرأ فليكثر من اللغو ورفع الصوت ليختلط عليه الأمر وعلى السامع أيضا، فلا يعقله تماما خشية تسرب قوله إلى الناس فيؤمنوا به، فأنزل الله هذه الآية ينعى عليهم بها سوء صنيعهم، راجع الآية ١١٥ من الأعراف في ج ١، ثم هددهم بقوله «فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا» أظهر مكان الإضمار إشعارا بعظم عقابهم المشار بكونه «عَذاباً شَدِيداً» على فعلهم هذا «وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ» ٢٧ تهديدا مؤكدا بالقسم، أي وعزتي وجلالي لأعاقبتهم على سيئاتهم هذه بأسوأ منها ولا نكافئنهم على أعمالهم الحسنة من صلة رحم وإقراء ضيف وإغاثة ملهوف وغيرها، لأنهم كانوا يفعلونها لنشر الصيت رياء وسمعة وتفاخرا، ولا نثيبنهم على الأحسن من أعمالهم مما هي خالية من تلك الشوائب، لأنا كافيناهم عليها في الدنيا من صحة وسعة رزق وجاه وغيرها، بل نجازيهم ونعاقبهم على أفعالهم السيئة بأعظم العقوبات وأسوئها، وعلى الأسوإ أكثر من السيء «ذلِكَ» التشديد عليهم بالجزاء «جَزاءُ أَعْداءِ اللَّهِ» المحاربين له في الدنيا هو «النَّارُ» التي لا يقاس عذابها بعذاب «لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ» الإقامة الدائمة «جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا