الأولى ثم الأمثل فالأمثل، ولا وجه لتخصيصها بالرسل عليهم السلام كما قاله بعض المفسرين، لأن إجراءها على عمومها أوفق للفظ وأنسب بالمعنى وأحسن بالمقصد «وَعَمِلَ صالِحاً» بإخلاص وحسن نية «وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ» ٣٣ المذعنين المنقادين لله تعالى قلبا وقالبا. واعلم أن للدعوة إلى الله مراتب: الأولى دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالآيات والمعجزات والحجج والبراهين المقرونة بالتحدي وبالسيف إذا لم ينجع ذلك. الثانية دعوة العلماء بالحجج والبراهين وطرق الإرشاد والنصح وضرب الأمثال فقط، ولا شك أن العلماء أقسام: علماء بالله، وعلماء بصفاته، وعلماء بأحكامه، وقد يجمع الكل بواحد إذا كان من العارفين:
وليس على الله بمتنكر ... أن يجمع العالم في واحد
وكل من هؤلاء مكلف بإرشاد الناس إلى طرق الهداية، أوتوا من قوة في النطق وفي الدلائل الشرعية. الثالثة دعوة المجاهدين، وهذه لا تكون إلا بالسيف لأنهم مأمورون من قبل ولي الأمر يقتال الكفار حتى يؤمنوا، وفقال الخارجين عن الطريقة الإسلامية حتى يذعنوا، فإذا آمن الأولون وأذعن الآخرون وجب عليهم الكف عن قتالهم، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. الرابعة دعوة المؤذنين إلى الصلاة، فينبغي لمن سمع الصوت أن يجيب الداعي، ولهذا فما روي عن عائشة أن هذه الآية نزلت في المؤمنين خاصة، مع أنها عامة لا يخصصها رواية عائشة رضي الله عنها على فرض صحة نزولها فيما قالت، لأنها مطلقة في كل من يدعو إلى الله ويحث الناس على سلوك طريقة السوي لا يقيدها قيد أبدا. هذا، وعلي من يتصدى للإرشاد أن يكون بمقتضى الآية ١٣٥ من سورة النحل الآتية «وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ» في الآثار والأعمال والأحكام، بل بينهما برن شاسع، فيا أيها الإنسان الكامل «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» بالإحسان إلى من أساء إليك والصبر على أذاه والتأني عند الغضب والحلم عند الجهل والعفو عند القدرة، فهذه هي الحالة التي وصفها الله بالأحسن، وشتان بين من تحلى بالخصال الممدوحة، ومن تقمص بالخلال المذمومة، والآية عامة في كل فعل حسن وسيئ قليلا كان أو كثيرا، خطيرا كان أو حقيرا، فعلى العاقل أن يحسن لمن أساء إليه، ويصل من