(وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ) الآية ٤٦ من سورة الرحمن ج ٣ أي ذاته، وقول الشاعر:
ذعرت به القطا ونفيت عنه ... مقام الذنب كالرجل اللعين
وقال أبو عبيد نأى نهض بجانبه وهو عبارة عن التكبر وشموخ الأنف، هذا وقد يعبر عن ذات الشخص بالمقام والمجلس بقصد التعظيم والاحتشام عن التصريح بالاسم ويتركون التصريح لزيادة الاحترام، قال زهير:
فعرض إذا ما جئت بالبان والحمى ... وإياك أن تنسى فتذكر زينبا
سيكفيك من ذاك المسمى إشارة ... فدعه، مصونا بالجلال محجبا
وليس من هذا قوله تعالى (وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ) الآية ٣٦ من سورة النساء ج ٣، وقوله تعالى (عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ) الآية ٥٦ من سورة الزمر المارة كما ستطلع عليه في تفسيرها إن شاء الله «وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ» ٥١ كثير مستمر كناية عن الإقبال على الدعاء بكليته والإلحاق به والابتهال صباح مساء، والعرض من وصف الأجسام وهو أقصر الامتدادين والطول أطولهما، ويفهم عرفا من العريض العظم والاتساع، يقال بالقلم العريض أي الكبير الذي يقرأ عن بعد، وإن صيغة المبالغة وتنوين التنكير فيه يشعران بذلك. ويستلزم وصف الدعاء بالعرض وصفه بالطول أيضا، هذا وقد تضمنت هذه الآيات نوعين من طغيان الإنسان الأول شدة حرصه على جمع الدنيا وشدّة جزعه على الفقد، والتعريض بتظليم ربه، تعالى عن ذلك، في قوله هنا لي مديحا فيه سوء اعتقاده بالمعاد المستجلب لتلك المساوى كلها، والثاني بين طيشه المتولد عنه إعجابه بنفسه واستكباره عند وجود النعمة واستكانته عند فقدها، وقد ضمّن ذلك ذمّه بشغله بالنعمة عن المنعم بالحالتين أما في الأولى فظاهر، وأما في الثانية فلأن التضرع جزعا على الفقد ليس رجوعا إلى المنعم، بل تأسفا على الفقد المشغل عن المنعم كل الإشغال، تدبر، قال تعالى أيها الناس «قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ» هذا القرآن «مِنْ عِنْدِ اللَّهِ» كما ذكرت لكم «ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ» لقولكم إنه ليس من عنده، أخبروني «مَنْ أَضَلُّ» منكم بتجارئكم على هذا القول، وقد وضع محل هذه الجملة «مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ» خلاف «بَعِيدٍ» ٥٢ عن الحق وهو أبلغ إذ تفيد لا أضل منكم أبدا، لأنكم في