بحث النسخ في المقدمة، وهذا من جملة المرامي التي من أجلها أقدمت على هذا التفسير المبارك ورتبته بحسب النزول ليعلم القارئ خطأ القائلين بنسخ أمثال هذه الآية متى ما عرف أنها متقدمة، لأن العلماء رحمهم الله أكثروا من أقوالهم بالنسخ ومنهم من تغالى فيه حتى خالف الأصول التي وضعت لمعرفة الناسخ والمنسوخ كهذه الآية وآيات الإخبار والوعد والوعيد وغيرها، سامحهم الله. وليعلم أن مودته صلّى الله عليه وسلم وأقاربه وكفّ الأذى عنهم من فرائض الدين، فقد روي أنه لما نزلت هذه الآية قيل يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال علي وفاطمة وابناهما. وقد أجمع السلف والخلف الصالحون على مودتهم، فلا يصح القول بوجه من الوجوه بنسخ هذه الآية أبدا، وعفا الله عن هؤلاء الذين لا هم لهم إلا أن يقولوا هذا ناسخ وهذا منسوخ ولولا الراسخون في العم الواضعون أصول علم الناسخ والمنسوخ والوافقون لأمثالهم على ما يتقولون به من النسخ بالمرصاد لتوسعوا بأكثر من هذا. وأخرج بن جرير عن أبي الديلم قال لما جيء بعلي بن الحسين رضي الله عنهما أسيرا، أقيم على درج دمشق، فقام رجل من أهل الشام فقال الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم، فقال له علي: أقرأت القرآن؟ قال نعم، قال أقرأت آل حم؟ قال نعم، قال أما قرأت (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) ؟ قال فإنكم لأنتم هم؟ قال نعم، قال فأطرق أي ندما على ما قال وأسفا. فانظروا أيها الناس كيف قاتل من قاتل من أهل الشام أناسا لا يعرفونهم ولا يقدرون مكانتهم. راجع الآية ١٣٧ من الأعراف في ج ١، وقال علي كرم الله وجهه قال الله فينا في آل حم آية لا يحفظ مودتنا إلا مؤمن. يعني هذه الآية.
وقال الكميت:
وجدنا لكم في آل حم آية ... تأولها منا تقي ومعرب
وقال عمر الهيتي:
بأية آية يأتي يزيد ... غداة صحائف الأعمال تتلى
وقام رسول رب العرش يتلو- وقد صمت جميع الخلائق- قل لا وقال الآخر: