محمد صلّى الله عليه وسلم ليس بمفترى، وكيف يكون مفترى ومن عادته تعالى أن يمحق الباطل «وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ» المنزلة على رسوله بطريق الوحي «إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ» ٢٤ ودخائلها وخفيات الأمور وبواطنها فلا يخفى عليه شيء مما يحوك في صدورهم وما هو قار في قلب محمد. وهذه الآية تدل دلالة تامة على تنزيهه من الافتراء وطهارة ما هو ثابت في خلده عن أن يصره بشيء من ذلك. وقال بعض المفسرين في هذه الآية إن يشأ يربط على قلبك بالصبر حتى لا يشق عليك أذاهم، وهو حسن ولكن ما جرينا عليه أحسن وأوفى بالمرام وأنسب بالمقام وأليق لسياق الكلام، وقد مشى عليه جهابذة من العلماء، قال ابن عباس رضي الله عنهما لما نزلت (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً) الآية، قالوا يريد أن بحثنا على أقاربه من بعده فأخبره جبريل عليه السلام بأنهم لتهموه فأنزل الله تعالى هذه الآية «وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ» بالتجاوز مما تابوا عنه «وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ» صغارها وكبارها «وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ» ٢٥ سرا وعلما من خير وشر. انتهت الآيات المدنيات وهي لها مناسبة بما قبلها وبعدها كما لا يخفى بخلاف غيرها وإن كانت معترضة، فالقاعدة من كونها تأتي معترضة، وإنك إذا حذفتها وقرأت ما بعدها متصلا بما قبلها صح المعنى، أغلبية، تدبر. قال تعالى «وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ» دعوة ربهم ويجيب الله دعاء المؤمنين إذا دعوه وفعل استجاب وأجاب بمعنى واحد، وكل منهما يتعدى باللام للداعي وبنفسه الدماء وعليه قوله:
وداع دعا يا من يجيب إلى الندا ... فلم يستجبه عند ذاك مجيب
«وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ» فوق ما يستحقون بحسب أعمالهم «وَالْكافِرُونَ» بالله تعالى الذين لا يدعون ولا يعترفون بألوهيته «لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ» ٢٦ جزاء ألفتهم عن دعاء الله وكفرهم به. تدل هذه الآية المكية بأن الله تعالى لا يجيب دعاء الكافرين، وهو كذلك، قال تعالى (وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) الآية ١٦ من سورة الرعد ج ٣، ومن قال إنه تعالى يستجيب لهم فإنه على طريق الاستدراج، والمؤمنون على طريق التشريف، وهذه الآية المدنية الرابعة، وقد