مع المغفرة عمل مبرور. ولهذا أشار إليه بالصبر إعلاما بحسنه وتعاظمه على النفس إذ قل أن تجد من يتخلق بهذه الأخلاق الحميدة غير الأولياء وقليل ما هم، ولهذا أشار تعالى بجليل ثوابه وكبير أجره وجميل عمله عنده بقوله عزّ قوله «لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ٤٣ التي أمر الله تعالى بها خلّص عباده لأن الصبر على المكاره من خصال الأنبياء والغفران مع القدرة من أفعال العظماء وهاتان الخصلتان من شأن أولي العزم.
هذا، وقد ذكر الله تعالى في هذه الآيات ألست من قوله (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ) إلى هنا اثنتي عشرة خصلة متداخلة، ولذا قلنا ستة أقسام، لأن في كل قسم خصلتين، وكلها من كرائم أخلاق المؤمن وأحاسن صفاته، إرشادا لعباده للأخذ بها، وحثا لهم على التحلي بمكارم الآداب. قال:
وإنما الأمم الأخلاق ما صلحت ... فإن هم فسدت أخلاقهم فسدوا
وقائله حميد بن ثور الهلالي، وإن أمير الشعراء السيد شوقي قال:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت ... فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
فانظر بين المتقدم والمتأخر تجد البون شاسعا. هذا، والتمسك بآداب الأنبياء تعليما للأمراء والحكام أن يتقبدوا بهم، فيفعلوا ما أرشدوا إليه من تلك الخصال العالية، فيكونوا أكبر شأنا من غيرهم، وعلى الناس أن تتأسى بهم، لأن العبد إذا عفا عن أخيه فالله تعالى أولى بأن يعفو عنه، إذ لا يخلو أحد من قصور تجاه مولاه، ومن هنا أخذت قاعدة إسقاط الحق العام تبعا للحق الشخصي. وأعلم أن الله تعالى جعل عباده شطرين، شطر أخذ بالعزيمة التي هي من العزم وهو عقد القلب على إمضاء الأمر بالصبر والمغفرة والصفح مما هو موافق لشريعة سيدنا عيسى عليه السلام، راجع الآية ٣٤ من سورة السجدة المارة، وهؤلاء الذين مدحهم الله تعالى فيها وقليل ما هم، وشطر أخذ بالرخصة وهي الانتصاف والمقابلة بالمثل وهذه من خصائص هذه الأمة التي جعلها الله سبحانه أمة وسطا وخير أمة أخرجت للناس وخير الأمور أوساطها، ومما خصت به من السنّة مما بوافق هذا قوله صلّى الله عليه وسلم:
أنصر أخاك ظالما أو مظلوما. ونصر الظالم ردعه عن الظلم، وخيرها في هذه الآية بين الأمرين الرخصة والعزيمة وندبها إلى ما هو الا حسن بقوله (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ