كما يكلم أحدكم صاحبه وما يكلمه جل شأنه «إِلَّا وَحْياً» إلهاما كما روي عنه صلّى الله عليه وسلم قوله فنفث في روعي، أو مناما كما وقع لإبراهيم عليه السلام في ذبح ولده، وكما ألهمت أم موسى بقذفه في البحر، قال صلّى الله عليه وسلم رؤيا الأنبياء وحي. وما جاء أنه صلّى الله عليه وسلم كلم ربه ليلة الإسراء كما أشرنا إليه أول سورة الإسراء في ج ١ في بحث الإسراء والمعراج فهو مخصوص به دون سائر الأنبياء إذ ما من عموم إلا وخصص منه البعض، ولرؤيته صلّى الله عليه وسلم لربه عز وجل في الدنيا من خصوصياته أيضا وهي حق ثابت لا مرية فيها، ولم يره بالدنيا بعيني رأسه غيره ولم يكلمه أحد مشافهة مع الرؤية غيره أيضا. وقد ثبت لموسى عليه السلام تكليم الله فقط من غير رؤية، وليعلم أن رؤية الله تعالى وتكليمه جل شأنه لا بوصفان بوصف، ولا يكيفان بكيفية، لأن النطق عاجز عن بيان ذلك، وهذا أنكر من أنكر لسوء ظنه ويقينه، وصدّق من صدق بحسن إيمانه وعقيدته، وهذا نوع من أنواع الوحي. والثاني بيّنه بقوله «أَوْ» يسمع الموحى إليه كلامه المقدس الخالي عن الحرف والصوت المنزه عن الشبيه والمثيل «مِنْ وَراءِ حِجابٍ» يحجب السامع في الدنيا عن الرؤية لا أن يحجب الله عن رؤيته، لأنه جل شأنه لا يجوز عليه ما يجوز على الأجسام ولا يحجبه حجاب، وذلك من غير رؤية كما سمع موسى عليه السلام كلامه من الشجرة وكما سمعت الملائكة كلامه في دعوتهم للسجود لآدم عليهم السلام، راجع الآية ٤٥ من سورة الإسراء في ج ١ في بحث الحجاب، هذا. والنوع الثالث هو المذكور في قوله «أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا» من ملائكته الكرام «فَيُوحِيَ» ما يتلقاه منه بِإِذْنِهِ» عز وجل إلى المرسل إليه «ما يَشاءُ» أن بوحيه من الوحي المقدس «إِنَّهُ عَلِيٌّ» عن سمات وصفات خلقه «حَكِيمٌ» ٥١ صائب المرمى فيما بوحيه من الأمور القولية والفعلية. وسبب نزول هذه الآية على ما نقله الآلوسي رحمه الله في تفسيره روح البيان نقلا عن البحر أن قريشا قالت لرسول الله صلّى الله عليه وسلم ألا تكلم ربك وتنظر إليه إن كنت صادقا كما كلمه موسى؟ فقال لهم لم ينظر موسى ربه، فنزلت. وهذا أصح مما نقله الإمام علي بن محمد بن ابراهيم البغدادي في تفسير الخازن المسمى لباب التأويل من أن سبب نزولها هو أن اليهود قالوا للنبي صلّى الله عليه وسلم ألا تكلم