العرار وردة طيبة الرائحة ناعمة وكان القائل مر بها قبل العشية وهو سائر، فإذا لم يشمها في ذلك الوقت فاته ريحها، فكذلك الإنسان إذا لم يمتع نفسه في هذه الدنيا بالعمل الصالح وهو قادر عليه فاته ذلك بالسقم والهرم والموت على حين غرة فيندم ولات حين مندم، لذلك يجب على العاقل أن لا يضيع الفرص بالتسويف والتأني.
وليعلم أن الدنيا بما فيها كله زهيد عند الله تعالى ولذلك يقول في صدر هذه الآية (لَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ) إلخ أي لأعطيت الكفار أكثر أسباب الحياة المفيدة للرزق ليتنعموا بها في هذه الدنيا الحقيرة، ولكن لم نفعل ذلك لئلا تزداد الرغبة في الكفر، وتشير هذه الآية إلى الإعراض عن الدنيا وزينتها والتحريض على التقوى والتمسك بالدين القويم. أخرج الترمذي وصححه وابن ماجه عن سهل بن سعد قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرا شربة ماء. وعن علي كرم الله وجهه قال: الدنيا أحقر من ذراع خنزير ميت بال عليه كلب في يد مجذوم. هذا، وأخذ من هذه الآية قاعدة شرعية وهي إذا كان بناء سفلي لرجل وعليه بناء علوي لآخر فيكون السقف لرب البيت الأسفل لا لصاحب العلو لأنه منسوب إلى البيت. وقرىء سقفا بضمتين وبضم وسكون وفتح وسكون. وأخرج الترمذي بحديث حسن عن المسور بن شداد جدّ بنى فهر قال: كنت في الركب الذين وقفوا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم على السخلة الميتة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: أترون هذه هانت على أهلها حين ألقوها؟ قالوا من هوانها ألقوها يا رسول الله، قال فإن الدنيا أهون على الله تعالى من هذه الشاة على أهلها.
وروى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر. راجع الآية ١٠٤ من سورة يوسف المارة تعلم هذا. وان الله تعالى لم يعط الكفرة جميع الأسباب المفضية للنعم كراهية أن يرغبوا فيها فتؤدي بهم إلى الكفر حين يرون أهله منعمين، فيتوهمون أن ذلك لفضيلة فيهم. قال تعالى «وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ» فلم يذكره عند شدّته ورخائة ويعش بضم الشين بمعنى يتعامى ويتجاهل، وقرىء بفتح الشين أي يعمى، والفرق بينهما أن الأول من عشا يعشو إذا نظر ولا آفة في بصره، والثاني عشي يعشى إذا كان في بصره آفة