للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بإذنه وقال له: أبرك أبا محمود وارجع راشدا فإنك ببلد الله الحرام، من حيث لم يعلم ابرهة بذلك، فألقى الله في قلب الفيل البروك، كما ألقى في قلب نفيل أن يقول له ذلك، فبرك واستعصى فضربوه بالمعاول فأبى التوجه نحو الكعبة فوجهوه نحو اليمن فقام يهرول، فوجهوه نحو الشمال فقام يهرول، ثم صعد نفيل إلى الجبل وتركهم يعالجون أمر الفيل فرأى طيرا كثيرا أقبل من نحو البحر، وغشي القوم وصار يرميهم بأحجار من منقاره ورجليه، فتصيب الرجل فتخرقه وتنزل إلى الأرض، ولم يزل ذلك الطير يرميهم حتى بدد الله الجيش بأجمعه وحمى حماه. قالوا إن الأحجار كانت ما بين العدسة والحمّصة وإن من هرب من الجيش عند ما صار الرميء من قبل الطير لم يهتد إلى الطريق فصاروا يصيحون نفيلا ليدلهم عليه فقال نفيل في ذلك:

فإنك ما رأيت ولن تراه ... لدى حين المحضب ما رأينا

حمدت الله إذ أبصرت طيرا ... وحصب حجارة تلقى علينا

وكلهم يسائل عن نفيل ... كأن عليّ للحبشان دينا

وقال نفيل وصاروا يتساقطون على الطريق ويهلكون. وأرسل الله على ابرهة داء فتساقطت أنامله ولم يصل إلى صنعاء إلا وهو مثل الطير فانصدع صدره عن قلبه ومات فيه، قال ابن الزبعرى:

سائل امير الجيش عنا ما ترى ... ولسوف ينبي الجاهلين عليمها

ستون الفا لم يؤبوا أرضهم ... بل لم يعش بعد الإياب سقيمها

وقال أمية بن الصلت:

إن آيات ربنا ساطعات ... ما يماري فيهن إلا الكفور

حبس الفيل بالمغمس حتى ... ظل يعوي كأنه معقور

فلما بلغ هذا عبد المطلب رفع رأسه إلى السماء وقال مخاطبا ربه عز وجل:

أنت منعت الجيش والأفياله ... شكرا وحمدا لك ذا الجلالة

هذا وإنه جل شأنه لم يفعل ذلك لنصرة قريش لأنهم كانوا كفارا بل صيانة لبيته المعظم مما عزم عليه ابرهة، وتكريما لنبيه المكرم إذ ولد فيه إذ ذاك فهو

<<  <  ج: ص:  >  >>