لنصح أنبيائكم وإرشادهم لكم بالعودة إليه «وَمَأْواكُمُ» الذي تأوون إليه للاستراحة وعند النوم هو «النَّارُ» لا راحة لكم ولا نوم فيها بل عذاب دائم مستمر «وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ» ٣٤ يخلصونكم منها أو يمنعون عذابها عنكم «ذلِكُمْ» الجزاء الشاق والعذاب الذي لا يطاق «بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا» بنعيمها الزائل وبهجتها المزخرفة وشغلكم حكامها عن الاعتراف بهذا اليوم. «فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها» أبدا وقرىء بضم ياء يخرجون وفتحها وهو أحسن «وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ» ٣٥ يسترضون فلا يطلب منهم إرضاء ربهم والإيمان به وبالبعث والنبوة لأنه لا يقبل عذر فيه ولا توبة. والالتفات من الخطاب إلى الغيبة إيذان بإسقاطهم عن رتبة الخطاب استهانة بهم، وأن الخطاب للخزنة الذين نقلوهم من مقام المخاطبة إلى غيابة النار، والالتفات من أنواع البديع المستحسنة في الكلام. قال تعالى «فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ» ٣٦ إخبار مراد منه الإنشاء أي احمدوا ربكم أيها الناس ومجدوه وعظموه لأنه ربكم ورب كل شيء «وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» فكبروه وعزروه وحق للرب أن يعظم ويمجد ويكبر ويحمد «وَهُوَ الْعَزِيزُ» الغالب في الانتقام من أعدائه البليغ في النصرة لأوليائه «الْحَكِيمُ» ٣٧ في أحكامه وإحكامه. وقد ختمت هذه السورة بمثل ما بدئت به من الصفتين الجليلتين كما هو شأن كثير من السور، وتفيد هذه الصفات أن الكمال كله في القدرة والرحمة والحكمة ليس إلا لله وأن لا متّصف بكمال هذه الصفات غير الإله العظيم الكبير في سمواته وأرضه، المتصرف بما فيهما، ويوجد سورتان مختومتان بهذه اللفظة، الحشر والتغابن، روى مسلم عن أبي سعيد وأبي هريرة قالا: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: العزّ إزاره والكبرياء رداؤه، فمن ينازعه عذبه. وأخرج الرقاق وأبو مسعود عنهما: يقول الله عز وجل العزّ إزاري والكبرياء ردائي، فمن نازعني في واحد منهما قذفته في النار. وهذا مخرج على ما تعتاده العرب في بديع استعارتهم، وذلك أنهم يكنون عن الصفة اللازمة بالثوب، فيقولون شعاره التقوى ولباسه الزهد، فضرب الله عز وجل بالإزار والرداء مثلا له جل شأنه في