صنيعهم معه بقوله عز قوله «أَتَواصَوْا بِهِ» أي هل وصى بعضهم بعضا بهذه الألفاظ الدالة على التكذيب والإهانة للرسل حتى تناقلوها جيلا بعد جيل، كلا «بَلْ هُمْ» أنفسهم «قَوْمٌ طاغُونَ» ٥٣ حملهم بغيهم على ذلك وتشابهت قلوبهم فوقرت وملئت من كراهية الحق فنطقت بتلك الألفاظ كما تكلم بها أسلافهم لا أنهم تواصوا بها، لأنه إذا توجد التواصي من القوم بعضهم لبعض كقوم نوح عليه السلام إذ طال أمده فيهم فصاروا يوصي بعضهم بعضا بعدم طاعته لأنه ساحر إلخ، فلا يوجد من الأقوام الماضية لغيرهم، إذ أن عذاب الاستئصال الذي أوقعه بهم يحول دون ذلك، لعدم بقاء من ينقل ما وقع منهم، ولهذا جاء القول علي طريق الاستفهام الإنكاري والتعجب من اتفاقهم على كلمات: ساحر كاهن مجنون مختلق شاعر متعلم وغيرها، والأشنع من هذا توغلهم كلهم بالطغيان على أنفسهم وغيرهم وخاصة الأنبياء، ومن كان كذلك لا جرم يصدر منه كل قبيح، وإذ كان قومك يا سيد الرسل من هذا القبيل «فَتَوَلَّ عَنْهُمْ» واتركهم ولا يهمنك شأنهم «فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ» ٥٤ على عدم إيمانهم، لأنك بلغت وأنذرت وبذلت جهدك في نصحهم، فما عليك أن لا يؤمنوا، فحزن صلّى الله عليه وسلم عند نزول هذه الآية وظن أصحابه أن الوحي انتهى وأن العذاب قرب أو ان نزوله، فأنزل بعدها «وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ» ٥٥ الذين هم في علم الله تعالى أنهم يؤمنون، فيؤمنون وتزيد المؤمنين إيمانا، فسري عنه صلّى الله عليه وسلم وابتهج أصحابه، وفرحوا بذلك وقرت أعينهم وطابت نفوسهم وقوي أمله صلّى الله عليه وسلم، وصار يبالغ في إرشادهم ونصحهم وتذكيرهم. قال تعالى «وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ»
٥٦ ويوحدوني ويعرفوني أني ربهم وخالقهم ومحييهم ومميتهم «ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ» يرزقونه أحدا من خلقي ولا أن يرزقوا أنفسهم أيضا، لأني أنا الكفيل بأرزاق الخلق كلهم «وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ» ٥٧ أسند جل شأنه الإطعام لذاته الكريمة، والمراد عياله الفقراء، لأن من أطعمهم لأجله فكأنما أطعمه، وإلا فهو المنزه عن الطعام والشراب، وكل ما هو من صفات المخلوقين وحوائجهم.
والآية تبين أن شأنه جل شأنه مع عباده ليس كشأن السادة مع عبيدهم، لأنهم