للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ» أي يوم تقوم القيامة المعبر عنها بالغاشية، ان وجوه أصحابها «خاشِعَةٌ» ٢ ذليلة خاضعة، وهذا من إطلاق الجزء وإرادة الكل، وهذه الوجوه التي تشاهد على غاية من الهوان فرءوس أهلها «عامِلَةٌ ناصِبَةٌ» ٣ دائبة على العمل في نار جهنم تعبة من مشقة الأعمال وشدة العذاب التي تلاقيه ذلك اليوم جزاء عملها في الدنيا وتوغلها في الترف والرّفاه، فكما كانت تعمل في الدنيا لغير الله فإنها تعمل في الآخرة لقاءه في نار جهنم عملا تكل منه الجبال، فطورا تجر بالسلاسل والأغلال وتارة تخوض بالنار كما تخوض الإبل في الوحل، ومرة ترقى صعودا بأعالي جهنم وتهبط منه، وبذلك كله فإنها «تَصْلى ناراً حامِيَةً» ٤ لأنها في سوائها وإذا عطشت فإنها «تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ»

٥ متناهية في الحرارة، قال تعالى (وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ) الآية ١٦ من سورة محمد صلّى الله عليه وسلم في ج ٣، وإذا سألت عن طعامهم فيها أيها الإنسان فإنهم «لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ» فيها «إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ» ٦ هو يابس الشبرق شوك ترعاه الإبل مادام رطبا، فإذا يبس تحاشته لأنه سم قاتل، قال أبو ذؤيب:

رعى الشبرق الريان حتى إذا ذوى ... وصار ضريعا بان عنه النمائص

وقال ابن غرازة الهذلي يذم سوء مرعى إبله:

وحبسن في هزم الضريع فكلها ... حدباء دامية اليدين حرود

أي أن طعامهم فيها يشبه هذا النبات الخبيث، وشرابهم ما علمت، وليس سواء، فبينهما كما بين نارنا ونار جهنم. قال المشركون لما سمعوا هذه الآية إن إبلنا لتسمن على الضريع استهزاء وسخرية، لأن الإبل لا تأكله أبدا ولا يسمى ضريعا إلا بعد يبسه لأنه مادام أخضر يسمى شبرقا، فكذبهم الله بقوله «لا يُسْمِنُ» الضريع الدابة أبدا «وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ» ٧ البتة لأنه لا يؤكل حتى يشبع، ولا منافاة بين هذه الآية وقوله تعالى (إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ) الآية ٢٧ من الحاقة الآتية، لأن للنار دركات لكل دركة نوع من العذاب ويكون على قدر الذنب العقاب، فمنهم طعامهم الزقوم، ومنهم ذو الغصة، ومنهم الضريع، ومنهم الغسلين، كما سيأتي أجارنا الله من ذلك كله، وهذا ما وصف الله به أهل النار، وهاك

<<  <  ج: ص:  >  >>