للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يزعمون أنها هي تلك الصخرة، وأن المراد بملتقى البحرين نهر الكلب والبحر الأبيض هناك، وهو قول لم يثبت، وقد ذكرنا غير مرة بأن أشياء كهذه لا يمكن القطع بها، وأن كل ما لم يبينه الله يجب أن نحيل العلم فيه إليه) وضعا رءوسهما فناما، فاضطرب الحوت في المكتل، فخرج منه فسقط في البحر، وتيقظ يوشع عند ذاك فرآه، قال تعالى «فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما» أي نسي يوشع أن يخبر موسى بما رآه من أمر الحوت وهو قوله تعالى «فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً» ٦١ إذ أمسك الله عن الحوت جرية الماء وموجه فصار عليه مثل الطاق، وان موسى لم يسأله عن المكتل الذي فيه الحوت ولهذا نسب الله تعالى النسيان إليهما وبقيا يمشيان بقية يومهما وليلتهما «فَلَمَّا جاوَزا» المكان الذي فقدا فيه الحوت وداوما على السير ألقى الله على موسى الجوع ليتذكر موعد ربه، حتى إذا كان الغد من هذا اليوم «قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً» ٦٢ وذلك لأنه جاوز المحل الذي أمره الله به، أما قبله فلم يحس بتعب لأنه لا يكلف عبده بما لا قدرة له به ولا طاقة له عليه سواء في العمل أو في العبادة، راجع الآية الأخيرة من سورة البقرة في ج ٣، فتيقظ إذ ذاك يوشع و «قالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ» قال له موسى بلى، قال «فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ» أي نسيت أن أقص عليك خبره، فذكر له شأنه وقال «وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ» لك، قال هذا على سبيل الاعتذار، ثم قال «وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً» ٦٣ أي أن خروجه من المكتل ودخوله البحر وصيرورة البحر عليه طاقا كالسرب كان عجبا، قيل كان في أصل الصخرة عين ماء يقال لها عين الحياة لا يصيب شيء من مائها إلا حيّ، وقد أصاب ذلك الحوت منها شيء، فتحرك وانسل من المكتل إلى البحر، مع أنه كان مطبوخا، ولهذا كان لموسى وفتاه عجبا، لأنه حوت مطبوخ وقد أكلا منه، والأعجب منه أيضا ماء البحر مع شدة موجه، وما يحصل فيه من الجريان يمينا وشمالا بسببه يكون سربا مثل الطاق ويبقى على حاله زمنا، إلا أنه ليس بأعجب من فلق البحر له عليه السلام، وإنما لم يتعجب منه لأن الله وعده به «قالَ»

<<  <  ج: ص:  >  >>