الرحمن، فدخلها ماشيا وقال ما ينبغي لي أن أدخل بلدة فيها خليل الرحمن وأنا راكب، حتى جاء إلى إبراهيم عليه السلام وسلم عليه وعانقه، فهو أول من عانق عند السلام، وسخر الله له السحاب والنور والظلمة فإذا سرى بجيوشه يظله السحاب من فوقه وتحوطه الظلمة ويهديه النور، وكان على مقدمته الخضر عليه السلام، فحظي بعين الحياة، وأخطأها ذو القرنين، وانقادت له البلاد، وإن ما قصّ الله علينا من أمره كاف من عظمته، ومات في مدينة شهرزور ودفن فيها، وقالوا إنه دار في الدنيا مدة خمسمائة سنة، وقال بعضهم إنه مات في بيت المقدس، والله أعلم. وقد ذكرنا آنفا في تفسير الآية ٩ المارة أن سبب نزول هذه الآيات بذكر ذي القرنين وأصحاب الكهف هو ما ذكره اليهود أن كفار قريش الذين ذهبوا إلى المدينة لهذه الغاية وعند مجيئهم منها أخبروا قومهم ثم سألوا الرسول عنها، وقد نزلت هذه الآيات بالقصتين المذكورتين، وآية ٨٥ من الإسراء المارة في ج ١ في السؤال عن الروح دفعة واحدة، لأن السؤال عنها دفعة واحدة، ووضعت كل منها في موضعها الآن بأمر من حضرة الرسول ودلالة من الأمين جبريل عليهما السلام بما هو موافق لما عند الله في لوحه وعلمه، كما ذكرناه في المقدمة.
واعلم أن الله تعالى لم يذكر في القرآن العظيم اسم الإسكندر حتى يقال إنه اليوناني أو المقدوني أو الرومي ويؤولون الآية عليه، وإنما سماه ذا القرنين وإن المؤرخين من عند أنفسهم لقبوه بالإسكندر، ولهذا حصل الالتباس بينه وبين الإسكندر المقدوني أو الرومي أو اليوناني ووقع الخطأ بنسبة ما جاء في القرآن إلى أحدهم، والصحيح والله أعلم أنه ليس بأحد هؤلاء الثلاثة وإنما هو ذو القرنين أبو كرب صعب بن جبل الحميري، واسم أمه هيلانه، وكان يتيما في بني حمير كما ذكره الإمام الغزالي رحمه الله في كتابه سر العالمين وكشف ما في بني الدارين في ص ٣ وهو ثقة فيما ينقل ويكتب، كيف لا وقد لقب بحجة الإسلام ورضيه الخاص والعام، يؤيد هذا ما جاء في حاشية بدء الأمالي ص ٣٧ وما ذكره الزيلعي صاحب الكنز بأنه لقي إبراهيم خليل الرحمن وعانقه كما ذكرنا آنفا وقد سئل ابن عباس عن المعانقة فقال أول من عانق إبراهيم خليل الرحمن لما كان بمكة وأقبل إليها ذو القرنين حتى