لا ينزل شيء قالوا ما نرى شيئا، فنزل قوله تعالى (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ) .
فأشفقوا، فلما امتدت الأيام قالوا يا محمد ما نرى شيئا مما تخوفنا به فنزل (أتى أمر الله) فوثب النبي صلّى الله عليه وسلم ورفع الناس رءوسهم وظنوا أنها أتت حقيقة، فنزل (فلا تستعجلوه) .
ويطعن في هذا عدم نزول سورة الأنبياء أو شيء منها قبل هذه السورة، تدبر.
واعلم أن هذه الآية لما نزلت على حضرة الرسول قال بعثت أنا والساعة كهاتين، ويشير بإصبعيه بمدهما، أخرجاه في الصحيحين من حديث سهل بن سعد، ورويا في السنن مثله بزيادة كفضل إحداهما على الأخرى وضم السبابة والوسطى. قال تعالى «يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ» الوحي سمي روحا لأن فيه حياة القلوب، أو أن الباء بمعنى مع، أي ينزل الملائكة مع الروح وهو جبريل عليه السلام، وهذه الآية تقارب في المعنى الآية ٥٧ من سورة الشورى المارة، وهذا الإنزال «مِنْ أَمْرِهِ» جل أمره «عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ» الذين اصطفاهم لرسالته آمرا لهم «أَنْ أَنْذِرُوا» الناس وأخبروهم «أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ» ٢ لتنالوا رحمتي والعاقبة الحسنة مني أنا، ذلك الإله العظيم الذي «خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ» ٣ به غيره وهو الذي «خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ» ٤ مظهر الخصام له كأنه لم يخلقه مما يعلم أو كأنه خلق نفسه ونسي ما كان عليه من الضعف اغترارا بما صار إليه. نزلت هذه الآية في أبي بن خلف الجمحي كما نزلت فيه آية (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ) الآية ٧٧ من سورة يس المارة إلى قوله (مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) في ج ١، وهي عامة في كل مخاصم لله وفي آياته.
قال تعالى «وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ» أيها الناس «فِيها دِفْءٌ» من صوفها ووبرها وشعرها تستدفئون به بما تعملون منها من اللباس والخباء للاستظلال وغيرها «وَمَنافِعُ» من درّها وركوبها ونسلها وتحميلها «وَمِنْها تَأْكُلُونَ» ٥ من لحمها وسمنها ولبنها واقطها وجبنها وزبدها وهو مما يعتمد عليه غالبا للتقوت، أما أكل الطيور والأسماك فيجري مجرى التفكه، وإنما قدم منفعة اللباس على منفعة الأكل لأنها أكثر وأعظم من منفعة الأكل إذ قد يكون من غيرها من الحيوان