من القحط وأنعم الله عليهم بالغيث أضافوه إلى الكواكب وإذا كان مرضا أضافوا الشفاء إلى العقاقير، وإذا كان ريحا أو ولدا أضافوه إلى كسبهم، وما ذلك إلا «لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ» من تلك النعم بدل أن يشكروها ويحمدوا المنعم بها عليهم «فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ» ٥٥ عاقبة كفركم وجحدكم، وفي العدول من الغيبة إلى الخطاب على قراءة الفعلين بالتاء زيادة في التهديد والوعيد وقرأهما بعض القراء بالياء. ثم شرع جل شأنه يعدّد مساوئهم فقال «وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ» لآلهتهم التي لا يعلمون أحوالها من أنها لا تضرّ ولا تنفع ولا تحمي ولا تشفع «نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ» من الأنعام راجع الآية ١٣٨ من سورة الأنعام المارة تجدها مفصلة هناك، ثم أقسم بذاته الكريمة فقال «تَاللَّهِ لَتُسْئَلُنَّ» أيها الكفرة «عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ» ٥٦ في الدنيا من هذه الأشياء القبيحة وغيرها، وهذا السؤال يكون حتما يوم القيامة عن عدها آلهة، وتخصيص بعض نعمه إليها وتخظيظها بنصيب منها تشبيها لها بالآلهة «وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ» وهم يكرهوهن لأنفسهم وذلك أن فرقا منهم كخزاعة وكناية يزعمون أن الملائكة بنات الله «سُبْحانَهُ» وتنزه وتعالى عن ذلك «وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ» ٥٧ من الذكور، أي كيف ينسبون النوع المحبوب إليهم والمكروه إلى ربهم «وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا» من الكآبة والحياء من الناس كأنه جاء بشيء منكر فاحش «وَهُوَ كَظِيمٌ» ٥٨ ممتلىء غضبا وحنقا وحزنا على ما حل به من الغم وعلى زوجته أيضا كما أشرنا إليه في الآية ١٧ من لزخرف المارة «يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ» يتغيب عنهم ويستتر منهم «مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ» لئلا يرونه فيعيّرونه ثم يتفكر ماذا يصنع بها «أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ» بأن يتركه حيا فيربيه على هوان لنفسه ومذلة لها كأن ذلك المولود من زنى وقد ذكر الضمير باعتبار عوده إلى ما بشر به «أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ» فيدفئه حيا فيئده حتى يموت تحته ويتخلص من عاره وشناره. قال تعالى ذامّا صنيعهم هذا بقوله «أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ» ٥٩ في هذه القسمة وهذا الحياء وهذه السنة وهذا الإباء وهذا الوأد، راجع الآية ٨ من سورة التكوير في ج ١ فيما يتعلق بهذا.