الكل وسيذهم فهو أقرب مما تتصوره عقولكم وهو من حيث القلّة (كأف) في زجر الوالدين في الآية ٣٣ من الإسراء الآتية، وفي التحقيق (كأو) في الآية ٤٦ من سورة الصافات في ج ٢، وقد جاء التعدد بالقوس والرمح والذراع والسوط والباع والقدم على حسب لغة العرب واستعمالها، لأن الله خاطبهم بما يفهمون، ومن هذا لا صلاة حتى ترتفع الشمس قدر رمح أو رمحين، ومنه ولقاب قوس أحدكم في الجنة وموضع قدّه أي سوطه خير من الدنيا وما فيها، وفيه اشارة الى ما كانت العرب في الجاهلية تفعله عند مخالفتهم وارادة الصفاء بينهم وتوثيق العهود، فإنهم كانوا يخرجون بقوسين فيلصقانهما حتى يكونا ذا قاب واحد ثم ينتزعونهما ويرمون بكل منها سهما واحدا دلالة على أنهما تظاهرا وتعاقدا وتوافقا على أن يحمي أحدهما الآخر وأن يكون رضى أحدهما وسخطه رضاء الأخر وسخطه قال قل «فَأَوْحى»
جبريل عليه السلام وأعبد الضمير إليه لأنه أقرب، ولأن سياق الآية يدل عليه وسياق اللفظ يؤيده «إِلى عَبْدِهِ»
عبد الله محمد لأن العبودية الحقيقية لا تضاف إلا إليه ولا حاجة لأن يتقدم ذكره لأنه في غاية الظهور ولا لبس فيه مثل قوله تعالى (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) فالضمير فيه يعود للقرآن دون ذكر له لمعلوميته مع أنه لم يسبق له ذكر، وكذلك قوله تعالى (ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ) الآية ٦٢ من سورة النحل في ج ٢، فالضمير يعود إلى الأرض في كلمة ظهرها ولم يسبق لها ذكر للعلة نفسها، ولهذا البحث صلة في تفسير الآية ٣٢ من سورة ص الآتية فراجعه «ما أَوْحى ١»
الله إليه أي إلى جبريل فأوحاه جبريل إلى محمد صلّى الله عليه وسلم بنصه حرفيا، وقد أبهم الموحي به للتفخيم على حد قوله تعالى (فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ) الآية ٧٨ من سورة طه الآتية فراجعا، أي شيء عظيم جليل خطير أوحاه الله إليه، ومن المفسرين من أعاد الضمير في أوحى إلى الله عز وجل وأعاد ضمير دنا فتدلى كذلك وأعاد ضمير عبده إلى محمد وهذا لا يتأتى إلا على القول من أن الإسراء وقع بعد مبعثه صلّى الله عليه وسلم بخمس سنين أي زمن نزول هذه السورة، وهو قول الزّهري ويعضده قول ابن اسحق، ويؤيده ما جاء في الفتاوى بأنه سنة خمس أو ست من النبوة، أما القول بأنه وقع بعد مبعثه بخمسة عشر شهرا فلا يكاد يعقل فضلا عن عدم وجود ما يؤيده من راو