قولهم مطمئنة عدم احتياج أهلها للانتقال فقد تدل على ملاك الأمر، إذ قال العقلاء:
(ثلاثة ليس لها نهاية: الأمن والصحة والكفاية) وبعد الإنعام عليهم بهذه الثلاثة أنعم الله عليهم بمحمد صلّى الله عليه وسلم، فكفروا به وكذبوه وآذوه وأرادوا قتله، فأمره الله تعالى بالهجرة عنهم وسلط عليهم بعد هجرته البلاء والشدة والجوع والخوف بسبب تكذيبهم له وإرادة إخراجهم إياه من بلده حينما حاكوا المكر فيه، كماه سيأتي تفصيله في الآية الأخيرة من سورة المطففين في بحث الهجرة. وما قاله الحسن من أن هذه الآية مدنية وأن المراد بالقرية هي المدينة تحذيرا لأهلها مما أصاب أهل مكة قول مخالف لجمهور العلماء والمفسرين يؤيده قوله تعالى «وَلَقَدْ جاءَهُمْ» أي أهل مكة «رَسُولٌ مِنْهُمْ» يعرفون مكانته قبل النبوة «فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ» في الدنيا بالجوع والقتل والأسر والخوف والجلاء «وَهُمْ ظالِمُونَ» ١١٣ أنفسهم وغيرهم بالكفر. قال تعالى «فَكُلُوا» أيها الناس «مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً» وذروا ما تفترون من تحريم البحيرة والسائبة والوصيلة والحام وغيرها راجع الآية ١٣٠ من سورة المائدة في ج ٣ في تفسيرها، «وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ» عليكم «إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ» ١١٤ تخصونه وحده بالعبادة «إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ» لأنها كلها تضر بأبدانكم وتختطف صحتكم وتوقعكم في الأمراض القتالة، وقد اكتشف الأطباء في عصرنا هذا وجود دودة قتالة في الخنزير سموها (ترنجيويس) وأجمعوا على أنها لا تموت بالطبخ بل تنتقل لآكل لحمه وتعيش في المعدة وتميت آكلها، ولذا منعوا أكله قبل المعاينة، حتى ان الأمير كيين هجروه بتاتا كما يقال، إلا أنهم قد هجروا الخمر قبلا ثم عادوا إليه، وفضلا عن هذا، فإن أكله يورث الجذام ويقلل الغيرة، ومنه يعلم أن الله تعالى لم يحرم علينا شيئا إلا لمنفعتنا وصيانة وجودنا وعقلنا من الخلل «وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ» وفي الآية ٤ من سورة المائدة الآتية (وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) وهي بمعناها «فَمَنِ اضْطُرَّ» لأكل شيء من ذلك «غَيْرَ باغٍ» على الناس «وَلا عادٍ» على نفسه «فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» ١١٥ بهؤلاء المضطرين وسنأتي على تفسير هذه الآية بصورة مفصلة واضحة وبيان مضار هذه