للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في العذاب سواسية «أَجَزِعْنا» منه «أَمْ صَبَرْنا» عليه «ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ» ٢١ عنه فلا نجاء ولا مهرب ولا محيد ولا مخلص، من خاص إذا عدل لجهة الفرار، راجع الآية ١٠ من سورة القيامة المارة في ج ١، ثم ان الفريقين ألقوا اللوم على الشيطان فاستحضره الحق جل وعلا وذكر لنا ما جابههم به وهو «وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ» بين الناس وعرف كل مصيره وصار أهل الجنة للجنة يحمدون الله تعالى على ما صاروا إليه بسبب اتباعهم أوامر ربهم وأهل النار للنار يلومون إبليس ويوبخونه على إغرائه لهم في الدنيا، فيقول لهم «إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ» الناجز فلم تصدقوه «وَوَعَدْتُكُمْ» خداعا بكم وإغواء لكم وعدا كذبا «فَأَخْلَفْتُكُمْ» لأنه لا حقيقة له ولا قدرة لي على إنجازه «وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ» أقهركم به على اتباعي «إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ» دعوة عادية بما أوقعته في قلوبكم من الوسوسة لا بسيفي ولا برمحي ولا بأية معجزة «فَاسْتَجَبْتُمْ لِي» طوعا ورغبة واختيارا عفوا من أنفسكم وتبعا لشهواتكم الخسيسة التي منبتكم بها قولا. والأماني كالآمال لا وثوق بها ولا بوقوعها «فَلا تَلُومُونِي» الآن على ما كنتم به راضين قبلا «وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ» على عدم إصغائكم لدعوة الرسل المؤيدة بالبراهين والآيات وعدم اتعاظكم بمعجزاتهم وركونكم لنصحهم وإرشادهم الحق، فاقطعوا أملكم «ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ» ولا مغيثكم ومنقذكم من العذاب الآن وإن ما وعدتكم به في الدنيا كله زور وبهت لا صحة لشيء منه وإني عاجز الآن عن كل شيء مثلكم «وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ» مما أنا فيه من العذاب «إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ» في عبادة الله حال الدنيا إذ لا يعبد غيره إلا ظالم «إِنَّ الظَّالِمِينَ» أمثالنا في الدنيا «لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» ٢٢ في الآخرة وها قد وقعنا به.

هذا آخر قول المغوي للغوات فاعتبروا يا أولي الأبصار واتعظوا يا أولي الألباب من الآن قبل أن يحلّ بكم ما قصه الله علينا، وقد تكررت بين العابدين والمعبودين المحاورة في القرآن كثيرا لمناسبات، ومعان أخرى لا تغني عن بعضها، راجع سورة سبأ المارة وفاطر والأعراف في ج ١ والبقرة والأنفال في ج ٣ وغيرها، قال تعالى

<<  <  ج: ص:  >  >>