على ديني وعقيدتي «وَمَنْ عَصانِي» فيها «فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» ٣٦ به تقدر على هدايته إذا شئت، وليس في هذه الآية جواز الدعاء للكافرين بالمغفرة والرحمة، لأنها جارية مجرى الخبر، أي أن الكافر إذا تاب وأناب فإنك غفور لأمثاله، رحيم بهم، أو أنها على حد استغفاره لأبيه قبل أن يعلمه الله عدم غفران الشرك، لعلمه أنه قادر على أن ينقله من الكفر إلى الإيمان، وعلى هذا قول عيسى بن مريم عليه السلام في الآية ١١٨ من المائدة في ج ٣ (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) إلا أن عيسى ختم كلامه بما لا يدل على المغفرة والرحمة، لأن لفظ العزيز يدل على العظمة والغلبة، ولفظ الحكيم يدل على أن ما يفعله الله موافق للواقع، لأن الحكمة تعذيب العاصي وتكريم الطائع، فبين حتام الآيتين بون شاسع في المعنى، وإن استغفار إبراهيم لأبيه وقع منه بعد أن وعده بالإيمان به، راجع الآية ١١٤ من سورة التوبة في ج ٣، لهذا فإن من استدل بهذه الآية على جواز مغفرة الشرك فقد مال، إذ لا دليل له لمخالفته صراحة قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) الآية ٤٨ من النساء في ج ٣، وهي مكررة فيها راجع الآية ٨ من الشعراء في ج ١ فيما يتعلق في هذا البحث، ومنها تعلم أن عدم غفران الشرك قديم لا خاص بأمة محمد صلى الله عليه وسلم «رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي» يريد إسماعيل عليه السلام «بِوادٍ» بين جبلين جبل أبي قبيس وجبل جياد ويسمى وادي مكة «غَيْرِ ذِي زَرْعٍ» لأنه رمال لا تنبت «عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ» التعرض له ولما فيه والتهاون به «رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ» أي لم أسكنهم فيه إلا ليعبدوك ويوحدوك لأن القصد إظهار ركون الإسكان مع فقدان لوازمه لمحض التقرب والالتجاء إلى جواره، لأنه بلقع خال من كل ما تقتضيه الحياة، ولهذا قال جل قوله «فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ» تميل حنانا وشوقا إليه ورغبة فيه «وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ» الموجودة في بلادك الأخرى بأن سخّر لهم الناس بجلبها إليهم من بلادهم، وقد أجاب الله دعاءه، فترى في مكة جميع أصناف اللباس والمأكول والمشروب بكثرة كما قال تعالى (يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ) الآية ٥٧ من سورة