الخبر: الناس هلكى إلا العالمون، والعالمون هلكى إلا العاملون، والعاملون هلكى إلا المخلصون، والمخلصون هلكى إلا العارفون، والعارفون على خطر عظيم.
ثم شرع يهددهم، يا ويل من أغضب الجبار القائل «وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ» أي الملائكة والأنبياء والأولياء وغيرهم فضلا عن الرعاع والجماد فأي كان من مخلوقاته جزؤ فقال «إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ» وناهيك بها من جزاء شديد «كَذلِكَ» مثل هذا الجزاء الفظيع «نَجْزِي الظَّالِمِينَ» ٢٩ الذين وضعوا مقام الإلهية بغير موضعها. قال تعالى «أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً» شيئا واحدا ملتصقتين ببعضهما «فَفَتَقْناهُما» عن بعضهما وخللنا الهواء بينهما فجعلنا هيكلا علويا على حدة وهيكلا سفليا، والمراد من السموات طائفتها ولهذا ثني الضمير ولم يجمع ومثل هذا قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا) الآية ٤٢ من سورة فاطر في ج ١، وعليه قول الأسود بن يعفر:
إن المنية والحتوف كلاهما ... دون المحارم يرقبان سواري
وقد أفرد الخبر وهو رتقا لأنه مصدر وأصل الرتق الضم والالتحام خلقة كان أو صنعة، ومنه الرتقاء من كانت ملتحمة محل الجماع، وقد ذكرنا ما يتعلق بهذا البحث في سورة فاطر المذكورة وله صلة في الآية ٦٦ من سورة الحج في ج ٣ فراجعهما، «وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ» من حيوان ونبات إذ يدخل في معنى شيء النبات والشجر لأن الماء سبب حياتهما وحياة كل شيء، وقال تعالى (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ) الآية ٤٥ من سورة النور في ج ٣، فيدخل في معنى دابة الإنسان لأن لفظ دابة موضوع لكل ما دب على وجه الأرض، وخرج هذا مخرج الأغلب لأن آدم وحواء وعيسى والملائكة والجن لم يخلقوا من الماء كما ذكرنا ذلك عند ذكر كل منهم «أَفَلا يُؤْمِنُونَ» ٣٠ هؤلاء الكفار بألوهية من يفعل ذلك، وهذه الآية من معجزات القرآن العظيم لأنه لم يكن في مكة ولا في العالم زمن نزول القرآن من يعرف أن الموجودات كانت كتلة واحدة، ثم فتقت فتكونت منها السموات ثم الأرض ثم المخلوقات، ولا من يعلم أن أصل كل الموجودات الماء ولم يعرف أحد شيئا من هذا إلا بالعصور الأخيرة، راجع الآية ٧ من سورة