العجماء جبار ولم يقيده بليل ولا نهار، وقد أخذ أبو حنيفة بهذا ولم يقض بالضمان أصلا، وأخذ الشافعي بالحديث المشار إليه على التفصيل الذي فيه، وكان حكم داود عليه السلام وابنه بالاجتهاد، ولأنه لو كان بالنص لما جاز لسليمان الاعتراض عليه، ولا لداود الرجوع عنه، وان الله تعالى حمد هذا لصوابه، وأثنى على الآخر باجتهاده. قال الحسن: لولا هذه الآيات لهلك الحكام. روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال صلّى الله عليه وسلم إذا حكم الحاكم باجتهاده فأصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر. وهناك من قال إن حكمهما كان بالنص، إلا أن الآخر نسخ الأول وفيه ما فيه فضلا عن أنه يوجب عدم جواز الاجتهاد للأنبياء، لأن سليمان لم يتنبأ بعد لينزل عليه شرع، يدل عليه قوله تعالى «فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ» أي قضية الحكم بطريق الإلهام، وإنما ركن داود لحكم سليمان، لأنه رآه موافقا وأرفق من حكمه بحق الطرفين، ولأنه علم حذاقته قبل هذه، وذلك على ما قالوا إن امرأة تبتّلت واستغرقت أوقاتها بالعبادة، وكان لها جاريتان جميلتان، قالت إحداهما للأخرى قد طال علينا البلاء، لأن هذه لا تريد الرجال، وإننا بشر فلو فضحناها لرجمت وخلصنا منها، فصرنا إلى الرجال من بعدها، فأخذنا ماء أبيض ونضحتاه على سوءتها وهي تصلي، وخرجنا إلى داود عليه السلام فقالتا له إنها قد بغت، وكان حد الزنى عنده الرجم، فرفعت إلى داود والماء لأبيض في ثيابها، فسألها فأنكرت، وسألها عن الماء، فقالت لا أدري لعله ماء أبيض أو شيء مفتعل، فأراد رجمها، فقال سليمان ائتوني بنار، فإنه إن كان ماء أبيض اجتمع، وإن كان ماء الرجل تفرق، فأتي بنار فوضعها عليه فاجتمع فدرأ عنها الحد، وهذا من ذكانه عليه السلام وحدة فطنته. ولهذا البحث صلة بعد الآية الآتية. قال تعالى «وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ» يسبحن أيضا ويسرن معه حيث سار وهذا هو تسخيرها «وَكُنَّا فاعِلِينَ» ٧٩ أمثال هذه المعجزات لأنبيائنا ومن شأننا أن نفعل أكثر من ذلك فليس ببدع منا وإن كان بديعا وعجيبا عندكم أيها الناس «وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ» دروع من حديد بدليل قوله «لِتُحْصِنَكُمْ