تبارك وتعالى (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) عدد ٤٣ من سورة النساء في ج ٣ فقد نهاهم فيها عن السكر في الصلاة، وهو نهي مؤكد للأول، فانتهى عنها فيها فقط من لم تكن نفسه زكية عارفة مغزى هذا النهي، واجتنبها ذوو العقول الكبيرة، والفطن الحاذفة، والفراسة الماهرة، والنفوس الطاهرة فيها وفي غيرها، لأنه عرف رجس الخمرة في النهي عن تعاطيها في الصلاة التي هي صلة بين العبد وربه، وان تركها في غيرها مما يرضي ربه الذي نهاه عنها فيها. ثم أنزل رابعا:(إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ) الآيتين ٩٣ و ٩٤ من سورة المائدة في ج ٣ أيضا فعرف الكل تحريمها في كل حال. وفي هذا التدريج وجد أصل رابع وهو الإجمال بعد التفصيل، ويتضح من المقارنة بين التشريع المكي والتشريع المدني، أن المكي مجمل قلما يتعرض للتفصيل، والمدني مجمل يتعرض للتفصيل في كثير من الأحكام، وأن معظم الأحكام مستنبطة من المدني، ومعظم ما يحمي العقيدة من المكي، وهذا أول مميزات المكي عن المدني الأربعة؟
مطلب مميزات المكي عن المدني الثاني: أن آيات المكي على الجملة قصار، وآيات المدني طوال، مثلا سورة الشعراء المكية، آياتها ٢٢٧ وسورة الأنفال المدنية، آياتها ٧٥ مع أن كلا منهما نصف جزء وأن جزء (قَدْ سَمِعَ) مدني وآياته ١٣٧، وجزء تبارك مكي وآياته ٤٣١، وأن سورة الحج مدنية، وسورة المؤمن مكية، عدا بعض آيات فيهما وهما متقاربتان من حيث عدد الآيات، وقد توجد بعض الآيات على العكس لا بعض السور وعليه تكون القاعدة أغلبية، ولهذا قلنا في الجملة، وما قيل ان سورة (التغابن) من جزء قد سمع مكية، وسورة تبارك من جزء تبارك مدنية ضعيف. واعلم أن نسبة المكي للمدني ١٩ من ٣٠ وآياته ٤٧٨٠ ونسبة المدني المكي ١١ من ٣٠ وآياته ١٤٥٦.