الناس على فعل الشر كما تهمز الراضة الدواب حثالها على الشيء. وقيل أيضا يا سيد الرسل «وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ» ٩٨ أمرا من أموري كي لا تساق نفسي إلا إلى الخير كما خلقت له، وهذا إخبار من الله بأن يكف عن قومه ويصبر على أذاهم ويديم لهم النصح حتى حين الوقت المقدر لإيمان من يؤمن وإصرار من يصر.
ثم أخبره بما يكون مصيرهم فقال «حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ» ٩٩ إلى الدنيا وقد جمع الضمير لما هو شائع لدى العرب أن يخاطبوا الواحد بلفظ الجمع تعظيما وتبجيلا كيف والمخاطب هو رب المخاطبين. وعلى هذا قوله:
ألا فارحموني يا آل محمد ... فإن لم أكن أهلا فأنت له أهل
وقول الآخر:
وإن شئت حرمت النساء سواكم ... وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا
النقاخ الماء البارد، والبرد النوم. ثم علل طلبه بقوله «لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ» الفرصة بالدنيا وضيعتها فأعدني يا رب إلى المحل الذي تركته في الدنيا لأتدارك ما فات مني، وهيهات، قال قتادة ما تمنى أن يرجع إلى أهله وعشيرته ولا ليجمع الدنيا ويقضي الشهوات ولكن تمنى ان رجع ليعمل بطاعة الله، فرحم الله امرأ عمل في دنياه ما يتمناه الكافر إذا نزل به العذاب. قال تعالى «كَلَّا» لا سبيل لك للرجوع. وكلا أداة زجر وردع، راجع بحثها مفصلا في الآية ١٤ من سورة الشعراء في ج ١، وهذه الكلمة التي يطلب فيها الرجعة «إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها» لا محالة، وكل كافر سيقولها في ذلك الوقت بسبب استيلاء الحسرة والندم على أمثالهم، ولكنهم لا يجابون، لأن الوقت ليس بوقت إجابة، ولو أجابهم لما بقي للنار نصيب من أحد، لأن كل أهلها يقولها، وكيف يرجعون إلى الدنيا «وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ» حاجز حائل بينهم وبين الرجوع، باق مستقر «إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ» ١٠٠ من قبورهم، وليس معنى الغاية أنهم يرجعون إلى الدنيا بعد البعث، وإنما هو إقناط كلي للعلم أنه لا رجعة بعد الموت إلى الدنيا، وإنما مصيرهم بعده إلى الآخرة «فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ» تقدم ما فيه في الآية ٦٧ من سورة الزمر المارة.