لهذا فالأحسن الصفح عن هكذا إيرادات والاكتفاء بظاهر اللفظ، ولهذا قال الإمام الرباني ما قال كما أثبتناه في الآية ٤٢ من سورة النجم في ج ١، فتدبره أرشدك الله لهداك وأبعدك عما فيه رداك. واعلم أن هذه الآية من آيات الصفات التي مر ذكرها، راجع الآية ١٥٨ من الأنعام المارة ففيها كفاية، وقد ذكرنا جواز إطلاق اليد عليه تعالى اتباعا لما جاء في ظاهر القرآن إذ ألزمنا أنفسنا في هذا التفسير المبارك السير فيه على ظاهره ما وجدنا لذلك سبيلا، وقد جاءت أحاديث قدسية بذلك أيضا وهي مفسرة لكتاب الله، ومن عرف أن الله عز وجل منزه عن المثل والشبهيّة عرف أن يده ومجيئه وقبضته وإتيانه المشار إليه في القرآن لا تشابه شيئا من مسمياتها في البشر تدبر، قال في بدء الأمالي:
تسمى الله شيئا لا كالاشيا ... وذاتا عن جهات الست خالي
وقال القائل:
ما كل زهر ينبت الأرض طيب ... ولا كل مصقول الحديد يماني
هذا، وليحذر العاقل أن يتصرف بآيات الصفات حسبما يسبح بفكره أو تحدثه نفسه، ففيه مزالق مهلكة، كما أن عليه الكف مما يتصوره في إمكان القدرة الآنفة الذكر لأن منشأها من وساوس الشيطان ومسيرها الحيرة والوقوع بما لا يليق أن يوصف به الرب الجليل وليتعوذ من ذلك بالله ومن الذي يسأل عن مثل هذه الأسئلة، وليقل لا إله إلا الله العظيم للفرد الصمد الجبار القهار القادر على كل شيء الرحيم بعباده اللطيف بهم العطوف عليهم، وليراجع تفسير الآية ٢٧ من سورة الشورى المارة ليقف على رأفة ربه به. «الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ» في الدنيا لأن الأشياء كانت ابتداء في حكم الموتى كالتراب والنطفة والبيضة، ثم طرأت عليها الحياة، وفي الآخرة الموت عند نهاية الأجل في آخر يوم من أيام الدنيا وأول يوم من أيام البرزخ، والحياة عند البعث في أول يوم من أيام الآخرة وآخر يوم من أيام الدنيا، أو المراد بالموت في الدنيا والحياة في الآخرة وهو أولى والله أعلم، «لِيَبْلُوَكُمْ» يختبركم ويمتحنكم أيها الناس ليظهر لخلقه «أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا» له وأخلصه وأصونه لشريعته وأحبه لخلقه «وَهُوَ الْعَزِيزُ» الغالب لمن عصاه القادر على من ناوأه