للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بينها فاختلطت «وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ» ٤ بعث من فيها وقيل أصلها بعثت وأثيرت فهي منحوتة مثل سبحل وحمدل وحوقل ودمعز وصلعم إلى غير ذلك مما جاء في باب النحت، وما قاله أبو حيان بأن الراء ليست من أحرف الزيادة فلا تدخل في باب النحت فهو سهو منه لأن النحت غير التركيب، وعليه يكون المعنى نبشت وأخرج أهلها، وجواب إذا «عَلِمَتْ نَفْسٌ» برة كانت أو فاجرة «ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ» ٥ في الدنيا من عمل فإنها تعلمه حينذاك صالحا أو سيئا إذ تنشر الصحف بعد البعث في المحشر فيقف كل على عمله، ثم يقال لأهل تلك النفوس بعد أن يستقر بهم الحال في الموقف «يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ» ٦ حتى تنكر هذا اليوم العظيم بالدنيا وتسوف بالتوبة ولا ترجع إلى ربك الذي رباك ولا تسلك طريق هداك وإلى متى:

ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها ... إن السفينة لا تجري على اليبس

وإلى متى تترك الحق وتتمادى في الباطل، وتعرض عن الرحمن، وتلازم الأوثان، أي شيء خدعك حتى ضيعت ربك مع ترالي نعمه عليك، أغرك جهلك، أم غشك حمقك، أو أزاغك شيطانك عن طاعة الإله الواحد، الذي لا شريك له ولا صاحبة ولا ولد؟ وهذه الآية عامة في كل كافر، وما قيل إنها نزلت في كلدة بن خلف إذ ضرب حضرة الرسول ولم يعاقبه عليها لم يثبت، ولم يوجد ما يعضده. واعلم أن التعرض في هذه الآية لكرمه دون قهره وانتقامه وبقية صفاته المانعة من الاغترار إيذان بأنه ليس مما يصلح أن يكون مدارا لاغتراره حسبما يغويه شيطانه ويقول له افعل ما تشاء فإن ربك كريم كما تفضل عليك بالدنيا يتفضل عليك بالآخرة، كقول بعض شياطين الإنس هداهم الله:

تكثّر ما استطعت من الخطايا ... ستلقى في غد ربا غفورا

تعضّ ندامة كفيك مما ... تركت مخافة الذنب السرورا

وقول أبي نواس:

خلياني والمعاصي ... واتركا ذكر القصاص

وعلى الله وإن أسرفت في الذنب خلاصي

<<  <  ج: ص:  >  >>