فذكر عليه الصلاة والسلام عشرين ملكا. قال المهدوي في الفيصل إن كل آدمي يوكل به من حين وقوعه نطفة في الرحم إلى موته أربعمائة ملك. وأخرج البزار عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم إن الله ينهاكم عن التعري، فاستحيوا من ملائكة الله تعالى الذين معكم الكرام الكاتبين الذين لا يفارقونكم إلا عند إحدى ثلاث حاجات: الغائط والجنابة والغسل. ولا يمنع هذا من كتبها ما يصدر عنه فيها ويجعل لها امارة على الاعتقاد القلبي ونحوه، ويلزمان العبد إلى مماته فيقومان على قبره يسبحان ويهللان ويكبران ويكتب ثوابه للميت إلى يوم القيامة إن كان مؤمنا، ويلعنانه إن كان كافرا إلى يوم القيامة. راجع الآية ١٨ من سورة ق في ج ١، وله صلة في سورة الرعد ج ٣ عند قوله تعالى (لَهُ مُعَقِّباتٌ ... يَحْفَظُونَهُ) الآية.
قال تعالى «إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ» ١٣ بالغ وسرور جليل في ذلك اليوم «وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ» ١٤ عظيم فظيع خارج عن عقل أهل الدنيا معرفته أجارتا الله منه، والمراد بالفجار هنا الكفرة المتوغلين في الكفر لا العصاة إذ تطلق كلمة فجر على الكاذب والزاني والكافر «يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ» ١٥ حينما يدانون بأعمالهم القبيحة بعد الحساب يوم القيامة «وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ» ١٦ بل محضرون ومطروحون فيها لا يفارقونها طرفة عين، فالمراد استمرار النفي لا نفي الاستمرار، وهذه كقوله تعالى (وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ) وقوله تعالى (وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ) الآيتين ٤٨ من سورة الحجر المارة و ١٦٧ من البقرة في ج ٣، ثم عظم شأن ذلك اليوم فقال «وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ» ١٧ أيها الإنسان الغافل «ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ» ١٨ استفهام تعجب جوابه هو يوم ترتعد فيه الفرائص وتشقق لهوله القلوب، وإن ما فية لا تجابهه قوى البشر، وهذا الخطاب عام إلى كل من يتأتى منه الدّراية، وفي التكرير زيادة التفخيم والتعجب.
وما قيل إن الخطاب خاص بالكافر أو خاص بحضرة الرسول لم يثبت فيه شيء، وإن بين هذين القولين وبين الآية المفسرة من البعد ما لا يخفى. ثم وصف ذلك ببعض صفاته فقال «يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً» فيه من المنافع مؤمنة كانت أو كافرة، وتخصيصها بالكافرة على قول بعض المفسرين لا مبرر له أيضا،