للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وآخركم فله مصير الخلائق وإليه الأمر كله فيهم «وَما أَنْتُمْ» أيها الناس له بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا» يعجزه أيضا من «فِي السَّماءِ» لأن الكل بقبضته لا يستطيع أن يفلت منهم أحد، وفي هذا حذف الموصول مع بقاء الصلة وهو غير جائز عند البصريين، وقد أجازه غيرهم واستشهد له في الشعر على المذهبين بقول حسان رضي الله عنه وهو:

أمن يهجو رسول الله منكم ... ويمدحه وينصره سواء

فقد حذف من عجز البيت وأبقيت صلته، إذا فلا محل للاعتراض على هذا على أن الاعتراض قد يكون إذا كان القرآن مستقى من العربية لا إذا كانت العربية متشربة من القرآن، ويكون المعنى على التفسير الذي جرينا عليه في هذه الآية لا يعجز الله أحد في الأرض من الإنس أو الجن ولا يعجزه أحد في السماء من الملائكة عوامهم وخواصهم، ومن رأى أن حذف الموصول غير جائز قال ولا في السماء لو كنتم أيها الناس فيها على فرض المحال أي الاستبعاد، إذ لا محال على الله بل بالنسبة إلينا محال هو كما ترى، قال تعالى «وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ» ٢٢ يتولى أمركم أو يمنعكم من عذابه «وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ» المنزلة على رسله «وَلِقائِهِ» جحدوا البعث بعد الموت الذي فيه لقاء الله وماتوا على ذلك «أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي» فلا تنالهم البتة ولا يشموا ريحها «أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» ٢٣ لا تستطيعه قواهم ولو كانت حديدا. واعلم أن هذه الآيات من قوله تعالى أو لم يروا هنا، جاءت معترضة بين قصة ابراهيم عليه السلام في تذكيره أهل مكة بمناسبة ختام ما ينزل عليهم من القرآن، إذ ينتهي المكي بانتهاء هذه السورة والتي بعدها فقط، لأن الخطاب فيها لسيد المخاطبين الذين أعمه أمرهم وأزعجه تماديهم في الطغيان وآسفه عدم تأثرهم من الآيات التي تذوب لها صم الحجارة وآساه اهانتهم له ولأصحابه واذاهم المترادف، ولم يبق له بعد هذا إلا هجرهم. قال تعالى فيما يقصه عن سيدنا ابراهيم «فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ» تجاه نعمه لهم وإرشاده إياهم وتحذيرهم بطش ربهم «إِلَّا أَنْ قالُوا» بعضهم لبعض عند ختام مذاكرتهم بشأنه كما تقدم في الآية ٦٥ من سورة الأنبياء

<<  <  ج: ص:  >  >>