لأنك أمي لا تكتب، وذكر اليمين زيادة تصوير لما نفي عنه صلّى الله عليه وسلم من الخط، فهو مثل العين في قولك نظرت بعيني في تحقيق الحقيقة وتأكيدها حتى لا يبقى للمجاز مجاز «إِذاً» لو كنت تقرأ وتكتب «لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ» ٤٨ من قومك وغيرهم ولا تهموك بأنك تنقل من كتب الأقدمين وتتلو عليهم ما تحفظه منها، وإلا لاحتج أهل الكتابين عليك بأنك لست نبي آخر الزمان، لأنه موصوف بكتبهم أنه أمي، وإذا ثبت أنك أمي فليس لهم أن يشكو برسالتك وختمك للأنبياء، ولا يرتابوا بالكتاب الذي أنزل إليك، لأن هذا كله مذكور في التوراة والإنجيل المنزلين من قبلنا على أنبيائهم، تقدم الله تعالى إلى رسوله في هذه الآية ليعلمه أنه قادم في هجرته على أناس مذكور في كتبهم نعته على ما هو عليه، وأخبره فيها بأنهم إذا قالوا لك في جملة مجادلتهم أنك لست نبي فقل لهم كيف، وقد أنزل الله علي كتابا، وإذا قالوا لك لعلك تعلمته فقل إني أمي، وأهل مكة ومن حولهم يعلمون ذلك لأني لم أبرحهم ولم أتعلم الكتابة من أحد، ولم أكن قارئا، ووصفي موجود لديكم بما يثبت أني خاتم الأنبياء، وهذا مما يزيل الشبهة فيّ، ولو كنت أقرأ وأكتب لشك فيّ مشركو العرب الذين لم يتركوا شبهة إلا وألصقوها فيّ، ولا خصلة تنافي نبوتي إلا وصموني بها، إلا أنهم لم يتهموني بالقراءة والكتابة لتحقق عدمهما فيّ لديهم، وقد وصف أهل مكة بالبطلان باعتبار ارتيابهم بنبوّته ووصفهم له بالسحر والكهانة والتلقي من الغير، وكفرهم به وبكتابه، ومن المعلوم المحقق أن حضرة الرسول صلّى الله عليه وسلم أمي كما هو الواقع، ومن قال بخلاف هذا فقد خالف كلام الله المصرح بأميته في الآية ١٥٧ من الأعراف في ج ١ صراحة لا تقبل التأويل، وان أهل مكة الذين كانوا يلتقطون الزلات عليه لو علموا منه ذلك لما سكتوا، بل لأداعوا عنه ذلك، كيف وأنه لما كان يجتمع مع الأغيلمة والعبيد اتهموه بأنه يتعلم منهم مع أنهم عجم لا يفقهون العربية المطلقة، فكيف بالفصحى؟ وقد رد الله عليهم في الآية ١٠١ من النحل المارة كذبهم هذا لهذه العلة، فراجعها، فلهذا إن القول بأني غير أمي مخالف لصراحة القرآن، ومخالفته كفر محض لأن كل من ينكر حرفا منه دون تأويل يكفر، وتعليم مثل هذا القرآن ودراسته تحتاج إلى زمن طويل لما فيه من تفصيل الأحكام