والحشرات، فإذا كانت مع ضعفها وعدم معرفتها يرزقها الله لتوكلها عليه وتفويض أمرها إليه، فإنكم مع قوتكم واجتهادكم وفضلكم فإنه يرزقكم من باب أولى إذا توكلتم عليه. قالوا لا يدخر إلا الإنسان والنملة والفأرة والعقق، وعند البعض البلبل، وقال آخر كل كوامن الطيور تدخر. هذا، وإذا كان الرزق من الله، وجعل لكل سببا لتناوله وأمر بالسعي إليه، والمسبب له هو وحده، فلا تخافوا أيها المؤمنون على معاشكم حال هجرتكم، ولا تأسفوا على ما تتركونه في مكة، فإن الله يخلفه لكم. ولما كان المراد إزالة ما في أوهامهم عما يلحقهم بسبب الهجرة على أبلغ وجه، قال (يرزقها وإياكم) دون يرزقكم وإياها، «وَهُوَ السَّمِيعُ» البالغ منتهى السمع بسمع قولكم، ويعلم ما تحوكه قلوبكم ويتردد في صدوركم «الْعَلِيمُ» ٦٠ البالغ في العلم بما انطوت عليه ضمائركم، ومن هنا قال صلّى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيّات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه- رواه البخاري ومسلم عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه- واعلم أن اسم الهجرة يطلق على تسعة امور كل منها بسمى هجرة بنسبته:
الأول هجرة الصحابة رضي الله عنهم من مكة إلى الحبشة سنة خمس من البعثة سنة نزول سورة والنجم وذلك بسبب ما لحقهم من أذى المشركين مالا وبدنا، ولهذا قال ذو النون من هرب من الناس سلم من شرهم، ومن شكر مولاه استحق المزيد من الفضل والعناية، ومن نظر في عيوب الناس عمي عن عيوب نفسه. الثانية الهجرة التي نحن بصددها من مكة إلى المدينة الكائنة سنة ثلاث عشرة منها أيضا، أما الخروج هربا وطلبا فيقسم إلى تسعة أقسام: الأول الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام، وهذه باقية إلى يوم القيامة كما أشرنا إليه في الآية ٥٠ المارة.
الثاني الخروج من أرض البدعة، قال ابن القاسم سمعت مالكا يقول لا يحل لأحد أن يقيم بأرض يسبّ فيها السلف. الثالث الخروج من أرض يغلب عليها الحرام، فإن طلب الحلال فريضة على كل مسلم. الرابع الخروج من الأذية في البدن، وهو فضل من الله رخص لعباده فيه إذا خافوا على أنفسهم في مكان، فقد أذن