للوجهاء المكرمين لديهم، ولا يحجب عنهم إلا الأدنياء المهانون عندهم، قال:
إذا اعتروا باب ذي عبيّة رجبوا ... والناس من بين مرجوب ومحبوب
ومعنى اعتروا غشوا، والعبيّة بضم العين وتشديد الباء والياء الملك المتكبر، ورجبوا هابوا وفزعوا لعظمة ودهشة مقابلته، راجع بحث الرؤية في الآية ٢٣ من سورة القيامة في ج ١ وما ترشدك إليه من المواضع. ثم أخبر الله تعالى عن هؤلاء الكفرة بأنهم مع كونهم محجوبين يحرقون في النار أيضا بقوله جل قوله «ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ» ١٦ يقاسون حرقها عند ما يزجون فيها، وهذا عندهم أشد بلاء من الحجاب، أما عند المؤمنين فالحجاب عندهم أعظم أنواع العذاب، قال الحسن:
لو علم الزاهدون والعابدون أنهم لا يرون ربهم في المعاد لزهقت أنفسهم في الدنيا «ثُمَّ يُقالُ» لهم من قبل خزنة جهنم تقريعا وتوبيخا «هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ» ١٧ في الدنيا فذوقوه الآن جزاء تكذيبكم «كَلَّا» ليس الأمر كما يتوهم المتوهمون ويزعم الزاعمون من إنكار البعث، فهو حاصل لا محالة. ثم طفق يذكر مقام المؤمنين الموقنين القائمين بالعدل بالكيل والميزان الموقين للناس حقوقهم المؤدين حق الله المصدقين بكتبه ورسله والبعث بعد الموت والجزاء بقوله عزّ قوله «إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ» ١٨ وهذا بمقابلة كتاب الفجار، ومقرّه بالسماء السابعة تحت العرش، ولهذا قال منوها بعلوه ومعظما لشأنه «وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ» ١٩ أيها الإنسان هو في الحسن والعلو والكرامة بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، معناه بما يريده الله، وإن ما جاء في تفسيره وتأويله فبحسب ما يحتمله اللفظ بالنسبة العقول البشر كالحالة في سجين في القبح والمذمة، وهو أيها السائل عنه «كِتابٌ مَرْقُومٌ» مكتوب بخط غليظ يعلم ما فيه من يطلع عليه عن بعد الأول نظرة دون دقة ورويّة، وهو علامة على سعادة صاحبه وكونه من أهل الجنة، وفيه إشارة إلى علو درجات صاحبه فيها، ومبالغة في بركة ذلك العلو وشرفه، لأنه وصف من العلو اسم جمع لا واحد له من لفظه، ولقب به لأنه سبب لارتفاع صاحبه إلى أعالي درجات الجنة، وهو في أحسن موضع بالجنة موضوع في مكان مؤنس منير تحت العرش، وهو عبارة