ورونقه لما ترى من النور الساطع عليها الحاصل من سرور قلوبهم، وفيها أيضا رمز لعدم النوم لأنه يسلب نور الوجه ويغير بهجته كما هو مشاهد في الدنيا، والخطاب لكل من له حظ من الخطاب إيذانا بأن ما لهم من آثار النعمة واضحة لا يختصّ بها راء دون راء «يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ» ٢٥ لم تمسه يد البتة، والرحيق اسم نوع من أشربة الجنة أبيض اللون طيب الطعم كريم الرائحة لا غول فيها ولا إثم، وقد ختم عليها لشرفها وبفاستها بكلمة كن فكانت، كما أنها تفتح عند شربها بالإرادة، ولذلك فلا يفض ختمها لمن يشربها إلا عند إرادة الشرب، قال حسان:
يسقون من ورد البريص عليهم ... بردى يصفق بالرحيق السلسل
وهذه الخمرة غير الأنهار الجارية في الجنة، ولها أناس مخصوصون، فكما أن أهل الجنة درجات متفاوتون في السكنى والمقام والنزهة، فكذلك هم درجات في المأكل والمشرب والملبس، متفاوتون متفاضلون بنسبة تفاضلهم في الأعمال، والفرق بينهما لا يقاس بالفرق بين تفاضل أهل الدنيا، كما لا تقاس الدنيا بالآخرة، وهذا الشراب «خِتامُهُ مِسْكٌ» خالص لا بضاهيه مسك الدنيا باللون والرائحة والطعم، وانك أيها الشارب له تجد طعمه فيها عند شربها من غير طوح الشدادة لأنها ليست من خشب أو شمع أو غيره مما يفعله أهل الدنيا لخمرتهم الخبيثة، بل هي بحيث عند ما تضعها بين الشفتين تصمحل في الشراب كأنها لم تكن، ولهذا بقول الله تعالى لأهل الدنيا «وَفِي ذلِكَ» الشراب المختص للأبرار والكرام «فَلْيَتَنافَسِ» وليرغب فيه لا في خمرة الدنيا الدنسة المزيلة للعقل، ولا في شهواتها المنافية للعزة والمهابة والكرامة، «الْمُتَنافِسُونَ» ٢٦ الراغبون، ويتباهى به المتباهون، فعلى العاقل أن يبادر لطاعة الله في دنياه ليتوصل إلى هذا النعيم المقيم، لأنه مما يحرص عليه ويطمع فيه ويريده كل أحد لنفسه، وينفس به أي يعز عليه ويبخل به ويفضله على غيره، ويستأثر به، وأصل التنافس التغالب في الشيء، والنفيس مأخوذ من النفس لعزّتها، كأن كلّا من الشخصين يريد أن يختص به لنفسه، وقال البغوي: أصله من النفيس الذي تحرص عليه النفوس وتشح به على غيرها «وَمِزاجُهُ» مخلوط